Banner Post

 الجامعة المغربية بين المعرفة والعنف

نقطة الأسبوع: 6

              ظل العنف كفعل أو رد فعل يرتبط بالمراحل البدائية للبشرية، ورغم استمراره مع البشر فقد بقي كتعبير دائم عن نزعات النرجسية أو عن التدافع بين بني آدم، إلا أن مجتمعاتنا طورت آليات للحد من فوضى العنف، فولدت الدولة كمحتكر وحيد للعنف المشروع لردع كافة أشكاله، وطورنا كبشر دائما وسائلنا في الحجاج المنطقي والدفاع والمرافعة بالحجة والدليل، لتصبح أشكال من هذا العنف محصورة ضمن زوايا ضيقة جدا، حتى أضحت صفة لصيقة بالجماعات غير المتعلمة وعلامة وسمت بها الفئات الهشة من المجتمع.

إلا أن ما يستوقفنا اليوم، هو مشاهد العنف وحوادثه المتكررة داخل الحرم الجامعي بالفضاءات الجامعية المغربية، فإن كانت تلك الفضاءات والأقطاب مدرسة تخرج منها كبار الوطنيين المغاربة والسياسيين ورجال الدولة من مشارب مختلفة، فضاءات كانت حبلى بالنقاش السياسي والفكري الذي يحمل الهم الحضاري لمجتمعنا، باتت اليوم تعيش على ايقاع العنف المتكرر الذي يروح ضحيته من حين لآخر طالب ذنبه الوحيد أنه لم يفهم المبدأ الأساس لفلسفة الحياة والقائم على التعايش مع كل التيارات وكل الحركات دون تعصب مع احترام لباقي التوجهات.

إن ظاهرة العنف الطلابي بالجامعة المغربية، هي تعبير عن إفلاس هذا الطالب وإن كان يتشدق بكونه حامل لمنظومة فكرية، هي في الحقيقة دوغمائية وعقيدة فارغة بما أنها لم تستطيع أن تدافع عن نفسها إلا بحد القوة والفوضى، فالفكرة التي تبحث لها عن عنف يحميها هي فكرة أوهن من بيت عنكبوت وتعيش الاحتضار، كما سيبقى للأسف كذلك هذا العنف تعبيرا صارخا عن ضعف مؤسساتنا التعليمية والتربوية.

إن الطالب الحقيقي، هو مشروع قيادة المستقبل وحامل مشعل النهضة والرقي، والمنافح عن الحق والحقيقة بالعلم والمعرفة، ليس منتج للعنف، وحينما يصبح كذلك فإننا لا نكون أمام طالب بل نصبح وجه لوجه مع مجرم لم يستطيع التكيف مع مؤسسات المجتمع الحضارية أو تعذر على مؤسسات المجتمع استيعابه واحتضانه.

ان أحداث العنف المؤسفة، والتي تتكرر من وقت لآخر بجامعاتنا، لابد أن يقف لها الجميع، عبر الإنخراط في نقاش عام هادئ وهادف بعيد عن الشحن والتشنج وعن حمية الجاهلية الأولى، نقاش يؤسس لثقافة التعدد وقبول الآخر كما هو، ولثقافة الحوار وتبادل الأفكار بمنهج علمي منطقي، ثقافة تؤسس للاندماج مع الشأن العام بكل تلاوينه، إننا اليوم وبإلحاح شديد في حاجة لنفتح المجال لكل الافكار والخلفيات المكبوتة لتعبر عن نفسها ولتتقارع في عالم واحد مع بقية التوجهات لكي تتبلور ويستفيد منها المجتمع، وتستفيد بقية التوجهات بأفكارها كذلك في جو يحترم المكتسبات التي حققتها بلادنا في مجالات شتى أهمها السلم الاجتماعي.

لقد كان العالم الفيزيائي الشهير كارل ساغان قد قال وهو ينظر للأرض عبر مسبار فضائي: “فكِر في أنهار الدم التي أراقها كل أولئك الجنرالات والأباطرة لكي يصبحوا في لحظة مجد وانتصار أسياداً على جزء من حبة غبار”. إلى ذلك نقول فكِر في الكم الهائل من الأفكار التي تملأ العالم، فكيف لك أن تؤذي إنسانا لأجل فكرة واحدة ولا لشئ سوى أنه خالفك الرأي…


اترك تعليقا