يعيش مشروع غرس الصبار بدوار تافراوت، التابع لجماعة لمسيد بإقليم طانطان، حالة من الجمود منذ أشهر، وسط تبادل الاتهامات بين المديرية الإقليمية للفلاحة والمقاول المكلف بإنجازه، في وقت تبدي فيه الساكنة استياء متزايدا من تعثر هذا الورش التنموي الذي كان يُعوَّل عليه للنهوض بالمنطقة ومحاربة التصحر وخلق فرص عمل محلية.
الساكنة: الحفر أُنجز والغرس لم يتم
تعبّر ساكنة دوار تافراوت عن امتعاضها من تأخر أشغال الغرس، مؤكدة أن المقاول أنهى عمليات الحفر منذ شهر رمضان الماضي، دون أن يتم غرس الصبار إلى اليوم، ومطالبة بالتدخل العاجل لعامل الإقليم لإنقاذ المشروع وضمان استمراريته.
ويؤكدون أن المشروع “يشوبه ضعف في المراقبة وغياب للتتبع الميداني”، مشيرين إلى أن “الغرس الأول في مراحل سابقة لم ينجح بسبب قلة السقي وضعف العناية التقنية”.
ويضيف بعضهم أن “المشروع الأول الذي بلغت مساحته 200 هكتار عرف خروقات في التنفيذ، إذ لم تُستغل المساحة كاملة”، موضحين أن الساكنة “تكلفت من مصروفها الخاص بإحضار طوبوغرافي مستقل كشف عن نقص كبير وواضح في الهكتارات من المساحة المبرمجة، قبل أن يتدخل قائد جماعة لمسيد بشكل إيجابي ويُجبر المقاول على غرس المساحة المتبقية”.
أما المشروع الثاني، فمرّ ـ حسب رواياتهم ـ “بشكل جيد لأنه أُنجز على أتمه وفي احترام شديد للوقت”، في حين بلغت مساحة المشروع الثالث 135 هكتارا، “إلا أنه توقف خلال الصيف ولم يُستأنف رغم مرور شهور طويلة”. وهو موضوع تقريرنا اليوم.
المديرية الإقليمية للفلاحة: الحفر لا يحترم المعايير التقنية
في المقابل، تؤكد المديرية الإقليمية للفلاحة بطانطان أن المقاول لم يحترم المواصفات التقنية المعتمدة في دفتر التحملات CPS، مشيرة إلى أن الحفر المنجزة “لا تتوافق مع المقاييس المطلوبة من حيث العمق والعرض (40/40 سنتيمترا)”.
وأوضحت المديرية، خلال زيارتنا لها صباح اليوم الجمعة 7 نونبر، أن المساحة المبرمجة للعمل تبلغ 135 هكتارا، وأن المقاول “ملزم بالاستعانة بطوبوغرافي لإعداد خريطة دقيقة للموقع، وهو ما لم يتم إلى حدود الساعة”.
وأضافت أن عملية الغرس بدوار تافراوت “لن تُباشَر إلا بعد المصادقة عليها من طرف المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية ONSSA”، فيما يتولى المعهد الوطني للبحث الزراعي INRA مهمة عزل الغرس قبل تسليمه للمقاول.
وسجلت المديرية، عبر الطوبوغرافي التابع لها، “نقصا يناهز 16 هكتارا في المساحة المحفورة فعليا”، مؤكدة أن الغرس الذي تم جلبه “لم يخضع للإجراءات الرسمية الخاصة بخدمة الطلبات الإدارية”.
أما عن سبب توقف المشروع خلال الصيف الماضي، فقد أرجعت المديرية ذلك إلى ارتفاع درجات الحرارة، مضيفة أنه “تم الاتفاق مع الشركة المكلفة على استئناف الأشغال في شتنبر، غير أن تساقط الأمطار حال دون ذلك”.
المقاول: أنجزنا المطلوب والإدارة لا تتجاوب
من جهته، قدّم المقاول، المدير العام لشركة كوسيما المكلفة بالمشروع، رواية مغايرة، مؤكدا في تصريح لموقع نقطة بريس أنه أنهى عملية الحفر “قبل شهر رمضان الماضي”، وأن المشروع الذي يُفترض أن يُنجز خلال سنة ونصف “دخل عامه الثاني دون تقدم يُذكر بسبب تعقيدات إدارية وتأخر في المصادقة على الغرس”.
وقال المقاول: “لدينا عشرون عاملا يشتغلون بالدوار بكلفة ناهزت عشرين مليون سنتيم، والغرس محفوظ ونسقيه كل خمسة عشر يوما، على نفقتنا الخاصة بمقابل 1000 درهم شهريا، في انتظار ترخيص الإدارة للبدء”.
وردا على اتهامات المديرية بعدم استكمال الإجراءات مع ONSSA، أوضح المقاول أنه بالرغم من أن هذا عمل موكول للمديرية الإقليمية للفلاحة بطانطان فقد “بادر شخصيا بالاتصال بالمكتب وانتقل من تازة إلى كلميم، حيث خرج فريق التقنيين إلى الموقع وأعد محضرا يؤكد صلاحية الغرس للزراعة”.
وتساءل المقاول: “اتصلت بـ ONSSA أول أمس فأخبروني أن عملهم يقتصر على إنجاز المحضر الرسمي، فماذا تنتظر الإدارة بعد ذلك؟”.
وأضاف أن المديرية “لا تتفاعل مع هذا المحضر، وتواصل التلكؤ في منح الموافقة النهائية”، مشيرًا إلى أنه “أرسل مساعده مرات عدة من كلميم إلى طانطان، وفي كل مرة يُقال لهم سنخرج يوم الاثنين أو الخميس، ثم لا أحد يحضر”.
وأشار المقاول إلى أن شركته راكمت خبرة واسعة في إنجاز مشاريع غرس الصبار بمختلف مناطق المملكة، “فقط خلال سنة 2025 أنجزنا أزيد من 3000 هكتار، منها 1000 هكتار بالرحامنة وحدها والشاون والنواحي، فيما مشروع تافراوت منذ سنة 2024 وهاحنا كانرجاو غير يجاوبونا فالتيلفون ومادارو لينا حتى مراسلة مكتوبة لحد الآن!”.
واختتم تصريحه بتعهد صريح: “ألتزم أمام ساكنة تافراوت أنه إن سُمح لي بالشروع في الغرس، فالمشروع سينجز في ظرف 12 يومًا فقط. وإن فشلت فلن أطالب بأي مقابل. نريد فقط وضوحًا من الإدارة وتعاونًا ميدانيًا”.
تكشف هذه التصريحات المتباينة أن أزمة مشروع غرس الصبار بتافراوت لا تتعلق فقط بالجوانب التقنية، وإنما تمتد إلى ضعف التنسيق بين المصالح المعنية والمقاول المنفذ، وغياب قنوات تواصل فعالة تضمن استمرارية الأشغال وفق الجدول الزمني المحدد.
وبينما تتمسك المديرية بضرورة احترام دفتر التحملات والمعايير التقنية، يؤكد المقاول أنه استوفى كل الشروط القانونية — بما في ذلك الحصول على محضر مصادقة ONSSA — وينتظر فقط المصادقة الرسمية، في وقت تبقى فيه الساكنة المتضرر الأكبر من هذا التعثر، وهي التي كانت تعوّل على المشروع لخلق دينامية تنموية محلية، خصوصًا مع موسم الأمطار الحالي الذي كان يمكن أن يمنح الغرس فرصة نجاح أكبر.
إلى ذلك، يرى متتبعون محليون أن تجاوز تعثر مشروع غرس الصبار بدوار تافراوت يقتضي اعتماد مقاربة تشاركية تجمع المديرية الإقليمية للفلاحة والمقاول ومكتب ONSSA والسلطات المحلية وممثلي الساكنة، من أجل وضع جدول زمني واضح واستئناف الأشغال في أقرب الآجال. كما يؤكدون أن نجاح المشروع رهين بتفعيل آليات تتبع ميدانية شفافة وتنسيق مؤسساتي دائم، تماشياً مع التوجيهات الملكية السامية الداعية إلى النهوض بالعالم القروي وتحقيق التنمية المستدامة لفائدة الساكنة المحلية.
ويتابع موقع نقطة بريس هذا الملف عن كثب، في إطار التزامه بنقل الحقيقة كاملة، وبما يخدم الصالح العام والتنمية القروية المستدامة بإقليم طانطان.


