Top

في حضرة الموت..طفل بالطانطان ينازع وغياب المصل ينذر بفاجعة

حمادي سركوح

في الصحراء حيث قسوة الطبيعة وضراوة الحيَّات، تتحول اللحظات إلى معركة بين الحياة والموت. هنا، حيث تتهاوى كل الحواجز، تبرز أمومة تُحاكي الأساطير في تضحيتها، وتتهاوى أنظمة صحية أمام صرخة طفل لم يتجاوز عامه الخامس بعد. هذه قصة كفاح أم، وامتحانٍ حقيقيٍّ للمنظومة الصحية، وطفلٍ لا يزال مصيره معلّقًا بين يديّ الغياب.

في صباح هذا اليوم الأربعاء، بينما كانت الشمس تبدأ في بث حرارتها في أرجاء “مسمس واركزيز” منطقة نائية خلف جماعة “لمسيد” كان طفل بريء يستقبل يومه بلعبٍ وضحك. لم يكن يعلم أن لعبة واحدة “عند خوالف الخيمة” ستكلفه موعدا مع أفعى سامّة، تاركة سمها ينساب في جسده النحيل كالنار.

لم تكن اللحظة لحظة ذعرٍ عادي، بل كانت اختبارا حقيقيا للأمومة. لم تنتظر الأم لا دموعا ولا شكاوى. ففي لمح البصر، تحولت إلى بطلة من حكايات الأسلاف. ركضت. ركضت كما لم تركض من قبل. كانت قدماها تحملان قلبا يخفق خوفا على فلذة كبدها. عبرت المسالك الوعرة، وتحدّت التلال والجبال، ليس بحثا عن نجاةٍ لنفسها، بل بحثا عن “ريزو”، عن إشارة حياة تنقله من بين أنياب الموت.

عند قمة أحد الجبال، حيث يلامس الجهد الإنساني حدود الطبيعة، وجدت تلك الإشارة المنتظرة. لم تكن أولى اتصالاتها إلا مناداة على الأعمام والأخوال، وكأنها تبحث عن سند في مواجهة المحنة، خاصة وأن الأب ـ معيل الأسرة ـ يخوض غمار عملية “فتق” صحية خارج الإقليم، غائبا عن ساحة المعركة التي تُخاض على روح ابنه.

لم يكن اتصالا عاديا، بل كان شريان حياة. تم تنبيه “جماعة لمسيد”، التي لم تتوانَ لحظة. حددت المكان، وانطلقت سيارة الإسعاف كالسهم نحو موقع الحادث. كانت الرحلة إلى المستشفى الإقليمي الحسن الثاني بالطانطان معركة أخرى مع الزمن، وصلت نهايتها على الساعة الثالثة زوالا.

لكن الصدمة كانت تنتظر الجميع عند الأبواب. لم تكن صدمة التشخيص، بل صدمة الغياب. غياب المصل المنقذ للحياة. “لا مصل للسم هنا”..جملة جافة كفيلة بتحطيم كل ذلك الكفاح، وإهدار كل تلك التضحيات. والمفارقة الأكثر قسوة أننا هنا، في عمق الصحراء، حيث تنتشر هذه المخاطر، نجد أن أبسط أدوات المواجهة ـ بل أهمها على الإطلاق ـ غير متوفرة.

والآن، بينما تطوي الساعات مساء اليوم، لا يزال هذا الطفل في حالة حرجة، ينازع على سرير المستشفى. كل دقيقة تمر بدون تدخل عاجل هي خطوة نحو هاوية لا تُحمد عقباها.

نوجه نداءنا هذا إلى كل الجهات المعنية، إلى الضمير الإنساني قبل المسؤولية الرسمية: طفلٌ يموت بسبب غياب المصل. هذه ليست قضية إحصائية، إنها قضية حياة. لنتحرك جميعا، ولنعمل على إيصاله إلى المكان والعلاج المناسبين قبل فوات الأوان. ففي هذه اللحظة، ليس الطفل وحده من يُختبر، بل ضميرنا جميعا.

اترك تعليقا