Banner Post

بين جيل كان يخشى نظرة المعلم..وجيل يرفع عليه يده..! أين انحرفنا؟

حمادي سركوح

من مأساة أرفود إلى فاجعة الشماعية..نزيف لا يتوقف..!

ما تشهده الساحة التعليمية اليوم من اعتداءات متكررة على رجال ونساء التعليم ليس مجرد أحداث عابرة، إنه مؤشر خطير على اختلال عميق في منظومة القيم التربوية.

كيف تحول المعلم، ذلك الرقم الصعب في معادلة التنمية، والذي وصفه الحديث النبوي بأنه “كاد أن يكون رسولا”، إلى ضحية للإهانة والاعتداء، بل وللقتل..؟

الأمر الأكثر إيلاما أن هذه الاعتداءات تأتي من الفئة التي يُفترض أن تكون الأحرص على احترامه: تلاميذه، الذين كرّس حياته لتعليمهم وتربيتهم.

فكيف فقد المعلم المغربي هيبته؟ ومن المسؤول عن تحويل حامل رسالة العلم من رمز للوقار إلى مجرد رقم في منظومة تتعامل معه ببرود ولا مبالاة؟

لنتذكر كيف كان الوضع قبل عقود قليلة، حين كنا نتهيب المعلم في الحي، ونتوقف عن اللعب بمجرد أن تقع أعيننا عليه. كنا نختبئ حتى يمر، ثم نعود لمواصلة لعبنا وشغبنا الطفولي، وكأننا أمام شخصية استثنائية لا يصح أن نُرى أمامها إلا في هيئة المهذّبين.

اليوم، انقلبت المعادلة بشكل صادم. فجيلٌ لم ننجح في غرس احترامه لمن علّمه الأبجدية والحساب، يتحوّل إلى تلميذ يرفع يده على معلمه، أو وليّ أمر يهدده أمام باب المدرسة.

وبينما لم نكن قد تجاوزنا بعد صدمة مقتل الأستاذة بأرفود، إذا بنا نُفجع بوفاة مدير ثانوية الشماعية، ضحية أخرى للعنف الذي ينخر جسد المدرسة المغربية.

فكم من الدماء يجب أن تُراق قبل أن يتحرك الضمير الجماعي؟المسؤولية اليوم جماعية، تبدأ من الأسرة ولا تنتهي عند الوزارة الوصية. لابد من تحرك عاجل لحماية المعلمين داخل المؤسسات التعليمية وخارجها، ومراجعة المنظومة التأديبية المدرسية بما يضمن عودة الانضباط والاحترام المتبادل.

كما أن استعادة هيبة المدرسة المغربية لن تتحقق إلا من خلال حملة وطنية شاملة، تنطلق من البيت، وتُترجم في السياسات العمومية، وتُغذّى عبر الإعلام والمدرسة والمجتمع المدني.

فكرامة المعلم ليست مطلبا فئويا، إنها معيار حضاري لمدى تطور الأمم، فإما أن نستعيد مكانة العلم والتعليم، أو نستعد لخسارة جيل كامل في متاهات العنف والجهل..بل وقد نكون فعلا قد بدأنا في خسارته..! فما نراه اليوم من انفلات أخلاقي وسلوكي في الشارع العام، عبر فيديوهات صادمة توثقها كاميرات المراقبة وعدسات مصورين هواة، من اعتداءات على نساء عزل وكبيرات في السن، تُرتكب فيها سرقات “كريساج” نهارا جهارا، وتعدٍّ على الممتلكات العامة والخاصة، بل وبلغ الأمر حدّ المواجهة مع عناصر الأمن، وتوقيف الجانحين وسط إطلاق الرصاص..!

كل ذلك امتداد لخلل قيمي عميق ضرب أساس التربية، وها هو يُفرز نتائجه المرعبة…فإذا كان من يحمل المشعل يُقتل، فبأي نورٍ سنهتدي؟

اترك تعليقا