لا يمكن فصل زيارة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، ستافان دي ميستورا، إلى جهة العيون عن الدينامية التنموية والاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها الأقاليم الجنوبية للمملكة. فهذه الزيارة، تأتي في سياق التفاعل الجاد للمغرب مع التزاماته تجاه هذه الربوع، بما يعزز الأمن والسلم الدوليين، ويدعم جهود الأمم المتحدة لإيجاد حل سياسي واقعي ومستدام لهذا النزاع الإقليمي المفتعل.
لقد تمكن المغرب، بفضل الرؤية المتبصرة لجلالة الملك محمد السادس، من إرساء دبلوماسية فعالة ومؤثرة، تُرجمت ميدانيًا عبر مبادرات سياسية قوية، أثمرت انتقالًا نوعيًا من مرحلة تحصين المكتسبات إلى مرحلة فرض واقع جديد على الأرض، يعزز مسار التسوية السياسية تحت مظلة الأمم المتحدة. وفي قلب هذا الواقع تبرز مبادرة الحكم الذاتي كحل جدي وذي مصداقية، يحظى بإشادة دولية متزايدة.
إن النموذج التنموي الجديد المخصص للأقاليم الجنوبية يشكل أحد الركائز الأساسية لتحصين الوحدة الترابية للمملكة. فهو لا يقتصر على تحسين مؤشرات العيش، بل يتعداها إلى تحقيق تنمية شاملة ومندمجة، بأبعاد اقتصادية واجتماعية وثقافية وبشرية، تجعل من هذه الجهات أقطابًا جهوية نموذجية. والهدف، كما أوضح جلالة الملك، هو تمكين أبناء هذه الأقاليم من حياة مزدهرة في إطار الكرامة والعدالة المجالية.
وقد أكد جلالته في خطاب المسيرة الخضراء أن المغرب ظل دائمًا واضحًا في مواقفه، ومؤمنًا بعدالة قضيته ومشروعية حقوقه، متعهّدًا بمواصلة العمل بصدق وحسن نية وفقًا للمقاربة السياسية التي تعتمدها الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن، سعيًا إلى حل سياسي توافقي، واقعي وعملي، تتجسد ملامحه في مبادرة الحكم الذاتي، باعتبارها الحل الوحيد القابل للتطبيق، في احترام تام لوحدة المملكة الترابية.
وفي هذا الإطار، أشار جلالته إلى أن المجالس المنتخبة في الأقاليم الصحراوية، التي أُفرزت ديمقراطيًا وبكل حرية ومسؤولية، تمثل الصوت الشرعي لسكان المنطقة، وهي المعنية الأولى بتدبير شؤونهم والمساهمة الفعلية في بناء الجهوية المتقدمة، باعتبارها أداة للتنمية والمشاركة السياسية الحقيقية.
إن قضية الصحراء المغربية تظل القضية الوطنية الأولى، وعنوان الوحدة والترابط بين كافة أبناء الوطن. والمغرب اليوم، عبر تعزيز التنمية وفتح المجال أمام التمثيلية الديمقراطية المحلية، لا يدافع فقط عن وحدته الترابية، بل يبني نموذجًا تنمويًا وسوسيو-سياسيًا يترجم رؤية ملكية استراتيجية، تستشرف المستقبل وتؤمن بأن الواقعية الدبلوماسية لا تنفصل عن العدالة التنموية.