Banner Post

من ورزازات إلى كيب تاون..حكاية ولدت من الشمس

حمادي سركوح ـ الرحلة الخضراء (الفصل العاشر)

أربعة أشهر من التحدي المستمر، أكثر من 16000 كيلومتر عبر 16 دولة، وبدون أي انبعاثات كربونية، ها هي “الرحلة الخضراء” تصل إلى محطتها الأخيرة في كيب تاون، جنوب إفريقيا، في 28 فبراير 2025، منهيةً مغامرة غير مسبوقة في تاريخ التنقل المستدام. من الصحراء المغربية إلى السافانا الإفريقية، ومن طرقات الأدغال الوعرة إلى شواطئ الأطلسي الدافئة، عبر الفريق القارة الإفريقية متحديا كل العقبات. هذه الرحلة أثبتت أن الطاقة المتجددة قادرة على تغيير مفهوم السفر والتنقل إلى الأبد.

لقد قطع الفريق ما مجموعه 16300 كيلومتر، عبروا خلالها 16 دولة، من بينها المغرب، موريتانيا، السنغال، غينيا، كوت ديفوار، غانا، توغو، بينين، نيجيريا، الكاميرون، الغابون، الكونغو، جمهورية الكونغو الديمقراطية، أنغولا، ناميبيا، وصولا إلى جنوب إفريقيا. هذه الرحلة لم تكن مجرد اختبار للتحمل، بل كانت رسالة قوية للعالم: المستقبل الأخضر ليس حلما، بل واقعا قابلا للتحقيق.

توثيق الرحلة: لحظة بلحظة

قبل 120 يوما، كان لنا شرف لقاء البعثة وقائدها إريك فيغورو في الملعب البلدي بطانطان. واليوم، بعد مرور هذه المدة، نراهم يصلون إلى كيب تاون في جنوب إفريقيا، وقد تابعنا هذه الرحلة التاريخية لحظةً بلحظة. قمنا بتوثيق هذه اللحظات من خلال كتابة تسعة فصول، كل فصل كان يحمل في طياته حكاية جديدة، مغامرة مختلفة، وتحديات متجددة، تم نشرها جميعًا على موقع “نقطة بريس” No9tapress. من خلال هذه الفصول، حملنا القارئ عبر مغامرات الفريق والتحديات التي واجهوها، مع نقل مباشر لكل لحظة من هذه التجربة الفريدة.

تحدي اجتياز قارة كاملة بالطاقة الشمسية

منذ انطلاقها من ورزازات في 28 أكتوبر 2024، لم تكن هذه الرحلة مجرد مغامرة، بل كانت اختبارا حقيقيا لقدرة الطاقة النظيفة على الصمود في أقسى البيئات. كان التحدي الأكبر هو اجتياز قارة كاملة بالاعتماد على الشمس وحدها، مع تحقيق عدة أهداف أساسية:

1. إثبات موثوقية السيارات الكهربائية حتى في أصعب الظروف، كما فعل أندريه سيتروين عندما اختبر مركباته قبل قرن من الزمن.

2. تسليط الضوء على إمكانات إفريقيا في الطاقة المتجددة، باعتبارها قارة غنية بالشمس، مما يجعلها مهيأة لقيادة هذا المجال عالميًا.

3. فتح نقاش عالمي حول مستقبل الطاقة والتنقل المستدام، من خلال لقاءات مع طلاب وخبراء ومبتكرين في مختلف الدول التي مرت بها البعثة.

التكنولوجيا التي غيرت قواعد اللعبة

اعتمد الفريق في رحلته على الطاقة المتجددة بشكل حصري، حيث شكلت الطاقة الشمسية 95% من إجمالي احتياجاتهم، تلتها الطاقة المائية بنسبة 4% والطاقة الريحية بنسبة 1%. هذه الخيارات البيئية ساعدت في إنجاز مهمة غير مسبوقة في عالم التنقل المستدام. أما سيارات Citroën AMI الكهربائية الصغيرة، فقد تم تعديلها خصيصا للتعامل مع التضاريس الوعرة والمسافات الطويلة. البطاريات ذات سعة 30 kWh أثبتت قوتها الاستثنائية، حيث تمكن الفريق من قطع مسافة تصل إلى 600 كم بشحنة واحدة في ظروف صحراوية قاسية.

أنغولا وناميبيا..آخر التحديات قبل الوصول إلى كيب تاون

في الأيام الأخيرة قبل دخول جنوب إفريقيا، كانت أنغولا وناميبيا بمثابة المحطة الأخيرة في هذا التحدي العظيم.

في أنغولا، كان الفريق محظوظا بالعثور على مصنع يعمل بالكامل بالطاقة الشمسية، حيث فتح مالكه أبوابه لهم لشحن سياراتهم، في خطوة تؤكد أن التحول نحو الطاقة المتجددة بات حقيقة اقتصادية ملموسة في إفريقيا.

أما في ناميبيا، فقد استمتع الفريق بإقامة مميزة في العاصمة ويندهوك، حيث تمت دعوتهم إلى منزل ضيافة “Saga Africa”، قبل أن يزوروا مركزا تجاريا يعمل بطاقة شمسية ضخمة، مما سمح لهم بشحن سياراتهم الكهربائية بسهولة. كما أجروا مقابلات إعلامية والتقوا بخبراء في مجال الطاقة الشمسية والتنقل الكهربائي.

لكن المغامرة الحقيقية بدأت عندما قرر الفريق القيام برحلة محفوفة بالمخاطر إلى محمية طبيعية معزولة في صحراء كالاهاري، رغم المسالك الرملية الصعبة التي اضطروا لعبورها لمسافة 100 كلم. في محمية كوزيكوس، سنحت لهم فرصة نادرة لرؤية وحيد القرن الأسود، وهو من أكثر الحيوانات المهددة بالانقراض، حيث تمكن قائد الرحلة من الاقتراب منه بسيارته الصغيرة Citroën Ami نظرًا لهدوئها. كما وجد الفريق نفسه في مشهد استثنائي، تحيط به الزرافات في قلب البرية.

بعد كل هذه التجارب، أصبح الفريق أقرب من أي وقت مضى إلى وجهتهم النهائية: كيب تاون.

الوصول إلى كيب تاون..لحظة تاريخية واحتفاء عالمي

واليوم، بينما تتوقف السيارات في كيب تاون، لا يشعر الفريق بأن المغامرة انتهت، بل بأنهم كتبوا بداية فصل جديد في تاريخ التنقل الكهربائي. منذ الساعات الأولى للصباح، انطلقت الاحتفالات في المدينة، حيث بدأ إريك وكلاوديو بمقابلة مسؤولي شركة Green Riders، وهي شركة متخصصة في توصيل آخر كيلومتر باستخدام الدراجات الكهربائية، مما أضاف بُعدا إضافيا لهذه المغامرة التاريخية. كما كان الفريق على موعد مع قناة تلفزيونية جنوب إفريقية لإجراء تقرير خاص عن مغامرتهم، حيث تم التقاط مجموعة من الصور الجميلة مع جبل الطاولة في الخلفية، الذي أصبح شاهدا على هذه اللحظة الاستثنائية.

أما الحفل الرسمي الختامي، فسيقام ب “رويال يخت كلوب” بمدينة كيب تاون، بحضور شخصيات مرموقة، أبرزها حفيد أندريه سيتروين، الذي جاء خصيصا من باريس، والسفير الفرنسي في جنوب إفريقيا، دافيد مارتينون، إلى جانب ممثلي البلدية وعدد من الصحفيين والخبراء في مجال الطاقة والمواصلات المستدامة. وكان من بين أبرز لحظات الحدث موكب الـ 40 دراجة كهربائية التي رافقت الفريق خلال الحدث، مما جعل الوصول أكثر إشراقا وروعة.

وقد تم تكريم الفريق، حيث وضع فيليب سيتروين آخر علم على الزجاج الأمامي لسيارة “سيترون آمي” التي كانت قد عبرت القارة، ليتم التقاط آخر صورة جماعية مع جميع أعضاء الفريق وبقية الضيوف، معلنين بذلك نهاية هذا الحدث التاريخي.

إرث الرحلة الخضراء..ماذا بعد؟

اليوم، ونحن نرى المركبات الكهربائية التي قطعت آلاف الكيلومترات تتوقف للمرة الأخيرة في هذه الرحلة، ندرك أن المغامرة لم تكن مجرد تحدٍّ ميكانيكي أو بيئي، بل كانت تجربة غيّرت نظرتنا إلى إمكانيات السفر المستدام. وكما يُقال: “ليست الغاية من السفر أن نصل إلى وجهتنا فحسب، بل أن نغيّر الطريقة التي نرى بها العالم.”

وكما قال إريك فيغورو عند الوصول:

“بعد ثلاث سنوات من التحضير، نشعر بالفخر لإنجاز هذه الرحلة التاريخية. لم يكن الهدف مجرد إثبات قدرة المركبات الكهربائية على قطع القارات بالطاقة النظيفة، بل كان الأمر يتعلق بخوض مغامرة بروح أندريه سيتروين، احتفاءً بمرور قرن على إنجازه. اليوم، مع وصولنا إلى كيب تاون، نؤكد للعالم أن التنقل المستدام لم يعد مجرد حلم، بل واقع قابل للتحقيق.”

في حين يطفئ الفريق محركات سياراتهم للمرة الأخيرة في هذه الرحلة، يطرح السؤال نفسه: هل ستكون هذه التجربة مجرد إنجاز تاريخي؟ أم بداية لثورة حقيقية في عالم النقل؟ الإجابة، ربما، ستأتي من إفريقيا نفسها، القارة التي أظهرت للعالم أن لديها ما يلزم لتكون رائدة المستقبل الأخضر.

نقطة بريس

 

اترك تعليقا