Banner Post

الرحلة الخضراء: مغامرة شاقة من مستنقعات الغابون إلى برازافيل..إرادة تتحدى الطين والتكنولوجيا تعيد الحياة

الفصل الثامن

بين أدغال الغابون الموشحة بالضباب الكثيف الذي يلتف كوشاح غامض حول الطريق الطويل، وحيث تتماهى السماء الرمادية مع مد البصر، ظهرت “الرحلة الخضراء” كفصل جديد من التحدي والمغامرة. كان النهار يحمل في طياته غموض الأدغال وسحرها، فيما تعذر على أشعة الشمس أن تخترق هذا الغطاء الضبابي، مما جعل شحن السيارات الكهربائية عبر الألواح الشمسية أمرا مستحيلا. ومع ذلك، ظلت روح الإصرار والإبداع ترافق الفريق، الباحث عن الحلول وسط الطبيعة العصيّة.

مدينة ندندي: أول التحذيرات

بدأت الأحداث في مدينة صغيرة تُدعى ندندي، حيث تجمع السكان المحليون لتحذير فريق الرحلة من مغامرة عبور الطريق إلى الكونغو. الطريق كان مليئا بمستنقعات طينية وصفها الأهالي بأنها “لا ترحم”. التحدي لم يكن فقط في الطين، بل في الأمطار الغزيرة التي هطلت طوال الليل، مما حول الأرض إلى مساحات موحلة يصعب عبورها.

شاحنات الإنقاذ: خيار الضرورة

أمام هذا التحدي، كان القرار حاسما بعد نقاش طويل بين أعضاء الفريق بقيادة اريك فيغورو. وهو مادفع الفريق بأن استأجر شاحنتين كبيرتين لتحميل سيارات “سيتروين آمي” الأربع والدراجة الكهربائية. هذه الشاحنات، التي عادة ما تستخدم لنقل البضائع في مثل هذه الطرق الصعبة، كانت الوسيلة الوحيدة لعبور المستنقعات التي تنتظرهم.

المفاجأة: محطة شمسية مهجورة منذ 2020

خلال رحلتهم، اكتشف الفريق منشأة شمسية كبيرة في بلدة ندجولي، وهي محطة طاقة تم إنشاؤها عام 2020 ولكنها لم تُستخدم مطلقا منذ إنشائها. في خطوة جريئة، وبعد محاولات عديدة للحصول على الموافقات، نجح الفريق في التواصل مع السفارة الفرنسية، ووزارة الطاقة، وقائد الدرك، والمحافظ المحلي، وتم السماح لهم باستخدام المحطة لشحن بطاريات سياراتهم.

لم تكن هذه اللحظة مجرد فرصة لشحن السيارات، بل كانت رمزا لاستعادة الأمل في استغلال هذه المنشأة في المستقبل. وبالفعل، علمنا أن السلطات تعتزم تشغيل المحطة قريبا بعد هذه الزيارة الاستثنائية.

المستنقعات: تحد بلا هوادة

عند العودة للطريق، استأنفت الشاحنات رحلتها وسط طين متزايد العمق. في إحدى اللحظات الحرجة، توقفت إحدى الشاحنات بسبب تعثرها في الطين. ومع ذلك، وبفضل التعاون بين الفريق والسكان المحليين، تم تحرير الشاحنة واستئناف الرحلة.

من الطين إلى الكونغو

بعد قطع مسافة 95 كيلومترا داخل الأراضي الكونغولية، وصلت القافلة إلى منطقة صلبة نسبيا، حيث تم إنزال السيارات واستكمال الرحلة على عجلاتها. في هذه اللحظة، تحول أحد المستنقعات الذي واجهوه إلى مفاجأة غير متوقعة: واحة طبيعية خلابة، حيث قرر الفريق الاستمتاع ببعض الراحة والسباحة.

إلى برازافيل: الأمل يتجدد

مع نهاية اليوم، توقفت القافلة في قرية صغيرة على بُعد 370 كيلومترا من العاصمة الكونغولية برازافيل. السكان المحليون استقبلوا الفريق بكرمهم المعتاد، حيث شاركوا الطعام بتوابله المحلية والقصص المثيرة والشيقة..في سمر ليلي دافئ.

في صباح اليوم التالي، استأنفت السيارات الصغيرة رحلتها نحو برازافيل. وبينما كانوا يشقون الطريق بسرعات منخفضة عبر المناظر الطبيعية الخلابة، أدرك الفريق أهمية هذه الرحلة ليس فقط كاختبار للمركبات الكهربائية، بل كجسر يجمع بين الإنسان والطبيعة في مغامرة فريدة من نوعها.

وعند بلوغهم مشارف برازافيل، كان الفريق قد أتم يوما آخر من التحدي والمثابرة. السيارات الصغيرة “سيتروين آمي”، التي شكك الكثيرون في قدرتها على مواجهة ظروف إفريقيا القاسية، أثبتت أنها أكثر من مجرد مركبات كهربائية صغيرة، لقد كانت رمزا للإرادة والإبداع.

إلى ذلك، كانت هذه المرحلة من الرحلة مليئة بالتحديات والإنجازات، من المستنقعات الطينية إلى استغلال محطة شمسية مهجورة، ومن التعاون مع السكان المحليين إلى لحظات الاستمتاع بالطبيعة الخلابة. إنها حقا رحلة تتجاوز مجرد التنقل، لتصبح شهادة على قوة الابتكار والعمل الجماعي.

اترك تعليقا