في إعلان لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، الأربعاء 4 دجنبر 2024، تم الكشف عن نتائج مشاركة المغرب في الدراسة الدولية لتوجهات الرياضيات والعلوم (TIMSS) لعام 2023. الدراسة التي تشرف عليها الجمعية الدولية لتقييم الأداء التربوي تعد من أهم الأدوات لتقييم أداء الأنظمة التعليمية دوليا في الرياضيات والعلوم. جاءت نتائج المغرب محملة بمؤشرات مزدوجة، تجمع بين التحسن النسبي في المرحلة الابتدائية والتراجع الواضح في المرحلة الإعدادية، مما يفتح الباب لتحليل أعمق ودعوة لإصلاح جذري.
وأظهرت نتائج السلك الابتدائي ارتفاعا في الأداء العام للتلاميذ مقارنة بدورة 2019، حيث ارتفع المعدل الوطني في الرياضيات من 384 إلى 393 نقطة (بزيادة 9 نقاط)، وفي العلوم من 375 إلى 390 نقطة (بزيادة 15 نقطة). هذا التحسن الطفيف يعكس جهوداً ملحوظة في تطوير المناهج، خاصة على مستوى التركيز على الفئات ذات الأداء المنخفض.
رغم ذلك، يبقى الأداء بعيدا عن المستويات الدولية، حيث ما زالت النسب الوطنية ضمن فئة الأداء المنخفض، مع تحسن محدود في فئات الأداء المتوسط والعالي. تشير هذه المعطيات إلى أن النظام التعليمي المغربي قد نجح جزئيا في معالجة بعض أوجه القصور في الأساسيات، لكنه لم يصل بعد إلى بناء قاعدة صلبة تؤهل التلاميذ للمنافسة الدولية.
على النقيض، شهدت المرحلة الإعدادية تراجعا في الأداء العام في الرياضيات والعلوم. انخفض المعدل الوطني في الرياضيات من 388 إلى 378 نقطة (بتراجع 10 نقاط)، وفي العلوم من 395 إلى 327 نقطة (بتراجع 68 نقطة). هذا التراجع الكبير يثير تساؤلات حول فعالية المناهج واستراتيجيات التدريس في هذه المرحلة الحاسمة.
وفقا لتحليل الوزارة، فإن أحد أسباب التراجع قد يعود إلى استخدام الحواسيب لأول مرة في إجراء الاختبارات، وهو عامل أظهر ضعف جاهزية التلاميذ للتعامل مع أدوات تقييم حديثة. ومع ذلك، فإن هذا السبب لا يفسر بشكل كامل التراجع الكبير، مما يستدعي تسليط الضوء على نقاط أعمق مثل ضعف التأطير البيداغوجي وغياب خطط دعم موجهة للفئات المتوسطة والعالية.
إذ تكشف نتائج الدراسة عن فجوة واضحة بين أداء التلاميذ المغاربة ونظرائهم في الدول الأخرى، خاصة في فئات الأداء العالي والمتقدم، حيث تظل النسب الوطنية شبه معدومة مقارنة بتحسن طفيف على الصعيد الدولي. في فئة الأداء المتقدم (625 نقطة)، لم يسجل المغرب أي نسبة مشاركة، مما يعكس غيابا شبه تام للمهارات العليا في الرياضيات والعلوم بين التلاميذ المغاربة.
رغم التحسن في السلك الابتدائي، تؤكد نتائج الدراسة أن النظام التعليمي المغربي يحتاج إلى إصلاحات هيكلية عميقة. هناك عدة محاور استراتيجية يمكن أن تسهم في تحسين الوضع:
1. تعزيز جاهزية التلاميذ للتكنولوجيا: تجهيز التلاميذ لاستخدام الحواسيب وأدوات التقييم الرقمية منذ المراحل الأولى للتعليم.
2. إصلاح مناهج المرحلة الإعدادية: مراجعة المناهج لتشمل طرقا مبتكرة تعتمد على التفكير النقدي والتحليل التطبيقي.
3. دعم المعلمين: إطلاق برامج تدريبية مستمرة للمعلمين لضمان مواكبتهم للتطورات البيداغوجية الدولية.
4. إطلاق برامج تقوية للفئات الضعيفة: استهداف التلاميذ ذوي الأداء المنخفض ببرامج دعم فردية وموجهة.
5. ربط التعليم بسوق العمل والتكنولوجيا: تعزيز المهارات العلمية والرياضية بما يتماشى مع متطلبات الاقتصاد الحديث.
نتائج TIMSS 2023 ليست مجرد أرقام، بل تعكس واقعا تعليميا يحتاج إلى وقفة تأملية عميقة. النجاح في تحسين الأداء الابتدائي خطوة إيجابية، لكنها غير كافية في ظل التراجع الإعدادي والفجوة الدولية. إن بناء منظومة تعليمية تضع التلميذ المغربي على خارطة التميز العالمي يتطلب رؤية شاملة وسياسات طويلة الأمد تستثمر في الإنسان قبل البنية. بدون ذلك، ستظل الجهود المبذولة مجرد حلول ظرفية لا تلامس جوهر التحديات.