بين تسارع إيقاع الحياة وتهديدات التغير المناخي التي تلوح في الأفق، تأتي “الرحلة الخضراء” كوميض أمل يرسم مسارا جديدا للتغيير. من قلب صحاري المغرب إلى سهول السنغال، تعبر قافلة ليست كأي قافلة، بل تحمل في طياتها حلما يتجاوز الجغرافيا، وأملا يربط الإنسان بالطبيعة والتكنولوجيا.
بعد شهر من انطلاق “الرحلة الخضراء” من المدينة الهادئة “هوليود أفريقيا” ورزازات، يتقدم الفريق – إريك، أنطونيا، ألكسندر، وديفيد – بثبات في مغامرة تعيد إحياء روح “الرحلة السوداء” التي قادها أندريه سيتروين قبل قرن. هذه المرة، تخوض سيارات Citroën Ami الكهربائية العاملة بالطاقة الشمسية تحديا جديدا: عبور القارة الإفريقية من الشمال إلى الجنوب، دون أي انبعاثات كربونية.
طريق شاق وقصص ملهمة
مع كل منعطف، تروي الطرق حكاياتها: من قرى نائية تتأمل سماءها بنجوم أمل جديدة، إلى مدن تزدحم بتراث غني. في السنغال، شهدت أم شابة كيف غيّرت تقنيات بسيطة حياتها اليومية، حيث وفرت لها الطاقة الشمسية إضاءة آمنة ومنخفضة التكلفة لقريتها. وفي المغرب، اكتشف تاجر صغير كيف يمكن للطاقة النظيفة أن تحوّل محطته المهجورة إلى واحة إنتاج مزدهرة.
لكن المغامرة ليست مجرد سلسلة من المشاهد الخلابة، بل اختبار حقيقي للصبر والتفاني. في غينيا، تغيرت الطبيعة وتغير معها التحدي. الغابات الكثيفة والمسالك الوعرة كانت بمثابة اختبارات يومية لسيارات الفريق، التي تعمل بنظام طاقة متطور يضم بطارية بسعة 30 كيلوواط و44 لوحة شمسية متحركة. بفضل هذا النظام، تمكن الفريق من تحقيق مدى يتجاوز 300 كيلومتر لكل شحنة، على الرغم من الظروف القاسية.
مشهد من الغابات الغينية
في صباح باكر، وبعد مبيتهم بالقرب من إحدى الشلالات، استقبل الفريق أصوات قرود الشمبانزي وهي تخترق صمت الغابة. كانت هذه المخلوقات الذكية تحاكي الطبيعة بذكائها الفطري، تختبئ بين الأشجار وكأنها تلعب لعبة “الغميضة”. هذه اللحظات، رغم بساطتها، كانت بمثابة تذكير بأن الطبيعة تخبئ أسرارها لمن يسعى للتواصل معها.
محطات لا تُنسى
بين التحديات، وُجدت لحظات من الدفء الإنساني، في إحدى القرى الصغيرة قرب نهر النيجر، استُقبل الفريق بترحاب سكان القرية الذين شاركوهم وجبة غداء محلية. كانت الابتسامات العريضة للأطفال ونظرات الدهشة في أعينهم مشهدا يعكس الأثر العميق لهذه الرحلة.
في جامعة فاراناه الغينية، حظي الفريق بترحيب كبير من الأساتذة والطلاب، حيث جرت مناقشات معمقة حول إمكانيات الطاقة المستدامة. أما في المعهد العالي للزراعة والطب البيطري، فقد ركز اللقاء على استكشاف تطبيقات الطاقة الشمسية لدعم الزراعة المستدامة وتلبية احتياجات المناطق الريفية.
المغامرة مستمرة
في محطتهم الأخيرة قبل عبور الحدود نحو ساحل العاج، كانت الشمس تراقب الفريق وهو يعيد شحن سياراته بالطاقة الشمسية وسط فضول الأطفال الذين تجمّعوا من حولهم. كان المشهد تجسيدا حيًا للأمل، حيث تداخل الفضول بالمعرفة، وتحوّل التواصل الإنساني إلى طاقة دافعة جديدة.
“الرحلة الخضراء” ليست مجرد مغامرة عبر القارة الإفريقية، بل قصة تُكتب للأجيال القادمة عن كيف يمكن للإرادة البشرية أن تستلهم من الشمس طاقة للأمل والتنمية. حتى الآن، قطع الفريق مسافة 5000 كيلومتر، عابرا أربعة بلدان: المغرب، موريتانيا، السنغال، وغينيا، في مسيرة ملحمية نحو مستقبل يتناغم فيه الإنسان والطبيعة.