Banner Post

الرحلة الخضراء تحت شمس الصحراء

مغامرة مستدامة في قلب الصحراء المغربية

في مغامرة مذهلة عبر الصحراء المغربية، لم تكن “الرحلة الخضراء” مجرد تجربة بيئية، بل تحولت إلى قصة مليئة بالمفاجآت والتحديات التي اختبرت إرادة الفريق. بعد مغادرة السائق “مارتن فان بيل” بشكل مفاجئ، وجد الفريق نفسه في موقف غير متوقع، حيث كان عليهم إيجاد بديل سريع لمواصلة الرحلة. وكان الحل في صديق قديم لقائد الرحلة إريك فيغورو، وهو المغربي كمال، مالك ورشة تصليح السيارات في ورزازات. لم يتردد كمال في تولي قيادة السيارة الصغيرة سيتروين AMI #3 والانضمام إلى الفريق الذي كان في حاجة ماسة إلى روح جديدة.

كمال، البالغ من العمر 43 عاما، كان بمثابة بطل خلف الكواليس لفريق إريك لسنوات طويلة، فورشة كمال كانت بمثابة ملاذ دائم لهم خلال سباقات رالي داكار، حيث كان يقدم مهاراته كميكانيكي محترف لمساعدتهم في مواجهة التحديات التقنية، وما ميز كمال عن غيره كذلك شخصيته الاستثنائية وروحه المغربية الأصيلة التي جلبت مع ابتسامته الدائمة معنويات عالية للفريق، خاصة بعد التحديات التي واجهوها في مسارهم.

وصل الفريق إلى الطنطان الجمعة الماضية، حيث كان لموقع “نقطة بريس” الشرف في تسليط الضوء على الرحلة الخضراء عبر تصريحات قائدها إريك فيغورو، إذ عبر إريك عن أهداف هذه المغامرة التي تتجاوز حدود البيئة، كاشفا عن رؤيته المستقبلية للرحلة التي تمثل تحديا بيئيا في صميمه.

في محطة الطاقة الشمسية بالعيون، كبرى حواضر مدن الصحراء المغربية، كان استقبال العاملين بها مليئا بالدفء والكرم. وقد أتيحت للفريق فرصة القيام بجولة تعليمية في الموقع، حيث اكتشفوا عظمة الطاقة الشمسية وكيف يمكن استغلال هذه القوة الطبيعية في قلب الصحراء المغربية. إضافة إلى ذلك، استمتع الفريق بطاجين مغربي، مما جعل الرحلة أكثر من مجرد مغامرة بيئية، بل أصبحت فرصة للاستكشاف الثقافي والتعرف على التقاليد المغربية العريقة.

بعد يوم طويل من القيادة بعيدا عن محطة بوجدور، وقطع مسافة 570 كيلومترا، انتاب الفريق قلق شديد. حين استشعروا أن بطاريات سياراتهم الصغيرة سيتروين AMI بدأت تنفد تدريجيا، ليجدوا أنفسهم في موقف حرج ليلا بمكان ناءٍ، لا طائر يطير ولا دابة تسير. وفي تلك اللحظة العصيبة، لجأوا إلى مأوى مؤقتا في محطة وقود مهجورة بدون كهرباء، وليس فيها سوى مولد ديزل قديم كان يضخ بعض الحياة في المكان. حيث، كان الليل يبدو أطول وأكثر عزلة، لكن الصمود كان سمة الفريق، الذي بقي ينتظر بترقب فجر يوم جديد، حين تتبدد النجوم تدريجيا في السماء، فتبدأ الصحراء بالتنفس ببطء،

كأنها تستفيق من سُبات عميق، لتنبض بالحياة في صمت، مترجمة بهدوء سرمدي هذا السكون إلى أمل جديد ينمو في حضن اللانهاية…

وعلى الرغم من هذا النص الأدبي الذي يحاول وصف سحر وجمالية لحظة الفجر بالصحراء، إلا أن فريقنا بالرحلة الخضراء لايتفتّح قلبه كزهرة عباد الشمس “tournesol” إلا مع شروق شمس اليوم الموالي.

استفاق الفريق بمركز بئركندوز إقليم أوسرد، آخر محطة لهم قبل عبور الحدود الموريتانية، على عاصفة من الرياح وضباب كثيف، جعلا من المستحيل شحن بطارياتهم بالطاقة الشمسية،

وهنا حيث يكمن الجانب الخطير وتتجلى المغامرة من الرحلة في فكرة أن فريقا من أربعة أفراد يراهن على قطع 14,000 كيلومترا عبر 15 دولة، معتمدين بالكامل على أشعة الشمس، وكأن مصيرهم معلّق بنور النهار، رحلة صعبة مليئة بالتحديات، إذ ترتبط حياتهم وتقدمهم في مسارهم بالشمس، في تحدٍّ لكل ما قد تخبئه تقلبات الطقس، فهذا الضباب لم يكن مجرد عائق، بل اختبارا لصبرهم وتماسكهم، وطوال ساعات انتظارهم، كانت الشمس تسعى للظهور ببطء، تخترق السحب الثقيلة بينما تهدأ الرياح رويدا رويدا، ليسمح لهم ذلك أخيرا بشحن البطاريات بالكامل.

في تلك اللحظة، استحضرت رحلة سانتياغو في رواية الخيميائي، ومن محاسن الصدف أنني قرأتها أيضا في الصحراء بمنطقة وادي الصفى، حيث كان يواجه تحديات مشابهة في قلب الصحراء القاحلة، مستمدا القوة من إيمانه الداخلي. تكررت أمامي تلك العبارة العالقة في ذهنه: “عندما تريد شيئا ما، فالكون كله يطاوعك لتحقيق رغبتك”. وكما كانت رحلة سانتياغو اختبارا لعزيمته وإيمانه، بدت هذه التجربة أيضا اختبارا لعزيمة الفريق، وإيمانهم بأنفسهم ورغبتهم الصادقة في المضي قدما رغم العواصف والعوائق.

وبينما كان الفريق يواصل رحلته عبر الصحراء، ومع تزايد التحديات، تزايدت أيضا اللحظات الإنسانية الجميلة. بين كل محطة وأخرى، كانت الأجواء تعج بالترحيب والود من أهل المدن والمناطق التي مروا بها، مما جعل كل محطة جزءا لا يُنسى من القصة. أصبحت الرحلة بمثابة جسور من الصداقة التي تمتد بين الفريق والمجتمعات المحلية، لتؤكد أن الهدف ليس فقط النجاح في المغامرة، بل أيضا بناء علاقات إنسانية تشارك في تحقيق رؤية مشتركة للمستقبل.

وهانحن، بعد أسبوع من تغطية “نقطة بريس” لوصول البعثة إلى الطنطان، نواصل توثيق مسار الرحلة الخضراء، حيث استمر الفريق في تجاوز التحديات، وقطع مسافة تقدر بحوالي 3500 كيلومترا دون أي انبعاثات كربونية، محققا في ذلك استقلالية طاقية كاملة، إذ أصبح الفريق اليوم الجمعة بالمركز الحدودي الكركرات للعبور إلى موريتانيا، وهي خطوة بلاشك لن تزيدهم إلا إصرارا في استكشاف آفاق جديدة. ومع كل كيلومتر، تتأكد لهم أن الروح الإنسانية والصداقة بين أفراد الفريق والمجتمعات التي يمرون بها هي مفتاح النجاح الحقيقي في هذه المغامرة الفريدة النبيلة.

اترك تعليقا