من الملاحظات الهامة التي يمكن للمرء أن يستقيها من واقع الأسر خلال هذه الأيام ، أن الامتحانات الإشهادية أصبحت تشكل هاجسا يصل أحيانا حد الفوبيا والهوس ليس عند التلميذة أو التلميذ المعني المباشر كمترشح لنيلها ، بل لدى الأمهات وبعض الآباء …وهذه الظاهرة جديرة بالتتبع والتأمل ، إذ إلى عهد غير بعيد لم يكن يعرف البعض حتى المستوى الذي يتابع فيه ابنه ، وهو أمر غريب فعلا ، ولكنه على الأقل كان يوكل أمر الدراسة والفهم والاهتمام للابن أكثر مما بوليه لغيره ، فكأنما الأسرة واجبها أن تسجل الابن ( ة) وتترك البقية للأستاذ والمدرسة …
الأسرة اليوم بحكم عوامل متعددة ، وبحكم الحاجة إلى تعليم ارتبط ظاهريا بالمنصب والمكانة والوظيفة ، فوت على المجتمع في غالبيته ، خصوصا الأسر البعيدة عن المدن الاقتصادية الكبرى ، كما هو شأن ساكنة الهوامش ، ومدن الجنوب والشرق ، فوت عليهم التعامل مع التلميذ وإمكانياته الذاتية ، فلا اهتمام برغبات المتعلم قدر الاهتمام برغبات الأسرة نفسها ، وبأي طريقة كانت ، جيل يوظف اليوم لتحقيق صورة نمطية عن الطبيب والمهني والاستاذ الجامعي ،،، وفي أحسن الأحوال شركة كبرى مصنفة …
هذه النمطية ، على جيل أصبح فأر تجارب ، تتجاذبه هواجس أسرة تأمل أن ترتقي اجتماعيا ، أو حتى تنتحر طبقيا ، فتحلم بدل أن تترك المتعلم يقرر مصيره ، ويحدد خياراته ، ويتعلم حسم الأهداف ..فهي تحلم بدلا عنه ، وتقرر بدلا عنه ، وتعنفه بخطاب قد لايكون دائما حبل الأمان اللائق لأوضاع تلامذتنا …الأسرة نفسها في حاجة إلى دعم نفسي ملائم …
الإشكال الأكبر ، أن يتحرك القلة من رجال التعليم في هذا الوهم ، وخلق شروطه ولو بشكل مسرحي ، يبين للتلميذ أن لانجاة ولا نجاح إلا بالساعات الإضافية ، وما هي، في الحق ، إلا إضافة في المعاناة ، ودعم أوهام التفوق التي يبتغيها الأهل ويشتغلون على صناعتها ولو بطرق مصنعة غير أصيلة ، وأمام تنافسية وإغراءات المال الذي تغامر به الأسر حتى على حساب أزماتها الداخلية المعيشية أحيانا ، خصوصا وأن الكثير من النساء والآباء اصبحوا يتباهون بهذا النوع من الدروس ويساعدون في تكريس طرائقها المبتورة بشكل غريب ، والتي حولت بعض وليس كل الأساتذة إلا محترفي الدروس البهلوانية ، تظهر لك الربح الوفير ، وتوهمك بالتميز ، وما هو كذلك ، لكنها لعبة متعاقد بشأنها وكفى ، هي مقبولة كوهم متفق حوله مفرح على الأقل للأسر أولا ومصدر اغتناء للقطب الثاني / المدرس ، حلم الوهم على درب الطبيب / وما هو بطبيب وعلى درب المهندس / وماهو بمهندس ، وعلى درب دكتور جامعي / وماهو لدكتور إلا بشواهد تكذبها التجارب يوما بعض يوم… لا ينبغي أن نعمم طبعا …
التلميذ في هذا الوضع هو منتوج قطبين متعاقدين ، كقطبي رحى تطحنان الماء في الغالب ، وتصدران جعجعة بلاطحين ، أسرة تستعجل انتحارها الطبقي وتبصم عليه ، وأستاذ يروج لنقط المراقبة المستمرة كعربون على جودة المنتوج ، وماهو بجيد ولكنه جودة ممنوحة ليكتمل التعاقد الفاشل …والتميز المغربي حتى في القراءة العدية لنص محدود بينت تخلفة منظومات التقويم الدولية PIRLS مثلا.
الرقم 20 كان رقما صعبا في معادلات التقويم التربوي بالمغرب ، لكن الأمراليوم لم يعد كذلك ، ففي زمن الردة العلمية والثقافية عشنا حتى رأينا هذا العدد ينط بلا حياء على عرش ورقة تلميذ حتى في مواد حرام أن تتوج به ، ولم يسبق أن منحت نقطة 20 حتى ولو كان المصحح نفسه من كتبها وصححها ، لكنها حيلة وانطلت ، فأن تمنح هذه النقطة ، كان الأمر يدل على أنك فقدت المنطق إلى حدود أساتذة منتصف الثمانينات ، في الأدب مثلا كان ضربا من الخيال أت تتجاوز 15. من 20 ، لأنك بهذا المعنى انت ظاهرة جيلك ، غالب أساتذتك حلالا طيبا ، تثير العلم وتلتهم الكتب ، وبذلك تتجاوز عصر مجايليك… اما اليوم فقربك أو بعدك من مركز المعلم له أكثر مما لاجتهادك خارج دائرة الدرس المعلول أصلا …
معنى هذا الكلام ، أن المدرسة كمؤسسة تخلت هي بدورهاعن تعاقد أهم بدورها ، وانخرطت في سباق محموم ، حتى لاتتأخر عن ترتيب بين قريناتها في المجهول ، فكيف يقنعني أحد بأن المقارنة بين مؤسسة ومؤسسة يمكن أن يكون حقيقيا موضوعيا صائبا ، ولكل منها أطقمها ، ومواردها وشروط عملها الخاصة ، حتى ولو كان لايفصل بينهما إلا شارع من 20 مترا مثلا ؟
ماأنزل العلم بهذا سلفا ، إن العلة في هذه الصناعة التي تجعل ، أي خروج عن نمطية السؤال في الامتحان الإشهادي ، لاتعني سوى خروج المترشحين النجباء باكين من قاعات الإجراء ، أما ” غير النجباء ” فقانعون بما قسمت لهم الظروف ، صابرون على العنف اللفظي والنفسي اليوميين ، واليوم بكاء الأسرة كمارأيت بأم عيني 2023 يعد أكبر مضاضة ، وسيتوارى أهل الساعات الإضافية في اختفاء صيف زاحف ، وينكسر الحبل السري لتعاقد المسرحية التي كان الجميع يظنها ملهاة من عنوانها الأول ، لكن نهايتها التراجيدية حولتها مأساة بكل المقاييس ، نعيش كجمهور أمام مروضي دببة في سرك كبير ، يفشل مروضها في إبقاءها محافظة على طيبوبة صنعتها فطنة الإنسان الفطرة الحيوان المفترس ، دببة قد تبتلع صاحبها أمام عدسات العالم ، على طبيعتها نتيجة لحظة عنف أو جوع أو تلبية لغريزة دفينة!!!!!
أسر تتألم فحسب، اما المسؤولين سيبحثون عن إصلاح باسم جديد فقط…