Banner Post

العالم في مواجهة حرب قيم لا تقبل المساومة

البروفسور هاني الياس خضر الحديثي أستاذ السياسة الخارجية والعلاقات الدولية – متخصص في شؤون اسيا

يواجه العالم الآن حربا كونية جديدة أشار لها مركز ذا ناشونال إنترست (The National interest) بانه حرب القيم ألتي لا تقبل المساومة او التجزئة.

الغرب الذي أوجع العالم بسياساته الاستعمارية وحروبه القذرة والإبادات الجماعية للمجموعات والشعوب لتحقيق الهيمنة الاقتصادية والسياسية والثقافية على العالم، ويزعم إن حربه ضد الشرق هي حروب الحرية ضد الاستبداد، والديمقراطية ضد الدكتاتورية، في حين يرى قادة بلدان الشرق إنهم يدافعون عن قيم الشرق المتجذرة مجتمعيا تاريخيًا وجغرافيًا وحضاريا ضد مساعي الهيمنة لقيم التطرف الليبرالي للغرب الذي يستخدم الجانب المشرق للديمقراطية مع شعوبه، في حين يطبق الجانب المظلم من الليبرالية وسيلة لتدمير الآخر تحت عناوين حق تقرير المصير واحترام حقوق الانسان.
الحروب العدوانية التي شنتها الولايات المتحدة وحلفائها في العراق وافغانستان وسوريا وليبيا شكلت القاعدة لهذا المنهج الذي دمّر المنظومة القيمية لهذه البلدان تحت شعار القضاء على الدكتاتورية وإقامة الديمقراطية، والآن تشهد أوكرانيا بطريقة مبتكرة تصادم قيمي وحربا شاملة وعالمية بين منهجين (الغرب الرأسمالي المتسلح بقيم الاستيلاء والاستخدام والاستحواذ والتطويق لقوى الشرق، والشرق المعارض لهيمنة تطرف الغرب وعنصريته معبراً عنها بحرب الجيوبولتيك مع روسيا).
أن استخدام المنظومات الدولية والقضاء الدولي على غرار المحكمة الجنائية الدولية في إصدار قرارات مبنية على التلاعب بالنصوص القانونية وتسييسها عبر إزدواجية المعايير في التقييم تشكل أحد أوجه نظام الهيمنة الامبريالية التي تسعى واشنطن وحلفاؤها الابقاء على تسلطها وفرض منظومتها القيمية على مجمل النظام الدولي، بذات الوقت الذي يمتهنون الآخر متهمين إياه بما هو جزء من سلوكهم الجنائي دولياً ليدعموا انشاء ديكتاتوريات الطوائف والأعراق، كما حصل في البلدان التي تعرضت للغزو الأمريكي والتي تشهد اندلاع الصراعات الفئوية الأثنية التي باتت تشكل خطراً على الهويات الوطنية والقومية، نموذج بلدان المشرق العربي وامتداداته نحو البلدان العربية شمال افريقيا، يعزز من ذلك سلوك الادارات الامريكية العدوانية اتجاه شعوب العالم خارج نطاق الأمم المتحدة والشرعية الدولية، كما حصل في غزو العراق ودعم الحكومة الأوكرانية المتطرفة في عنصريتها أتجاه مكونات الآخر الداخلية، واستخدامها في حرب بالنيابة ضد قيم الشرق وتحت زعم الحرب ضد الاستبداد ونشر الديمقراطية، الأمر الذي يؤكد إن حرب القيم بين الشرق والغرب تزداد، خلافاً لدعوات حوار الحضارات والثقافات التي بشّر بها مفكرين غربيين، ومنهم خاصة أمريكان استخدموا هذا الشعار عقد التسعينات لفرض ما يطلق عليه الحكومة العالمية (التي تحكم القرية الصغيرة) حيث الغاء الحضارات والثقافات الشرقية لصالح هيمنة قيم النظام الرأسمالي عالمياً.
إن تصاعد رفض الشعوب والدول في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية لمنهج قيم الهيمنة الامريكية عبر رفضهم الانصياع لتحشيد العالم ضد مشاريع روسيا والصين في استعادة التوازن للنظام الدولي وعبر العمل على إقامة نظام دولي متعدد الاقطاب ومغادرة الوضع الاستثنائي في هيمنة قطب واحد، إنما يؤشر إلى بداية انفراط هيمنة القطب الواحد رغم جميع مساعي الزج بأوروبا وحلف الناتو في حرب بالنيابة في أوكرانيا كما حصل قبل ذلك في إفغانستان وبلدان الوطن العربي ابتداءً بالعراق ثم ليبيا واليمن وسوريا.
إن اعلان السعودية مؤخراً موافقتها على الانضمام إلى منظومة شنغهاي بصيغة الشراكة الاقتصادية، والتي تضم إلى جانب الصين وروسيا بلدان وسط آسيا الأوراسية والهند وباكستان وإيران وقطر ومصر وتركيا، وترشيح الجزائر لدخولها، فضلا عن ترشحها لمنظمة بريكس أيضا وبصفات العضوية الكاملة لبعضها أو الشراكة للبعض الآخر لتتفاعل مع منظومة بريكس بقيادة روسيا والتي تضم إلى جانب الصين كل من الهند وجنوب افريقيا والبرازيل، إنما يؤشر بوضوح إلى طبيعة الاستقطابات الجيوبولتيكية المتفاعلة مع منظومة القيم في مواجهة قيم النظام الرأسمالي، وليعزز مفهوم صراع الحضارات أو استقلالها بدلاً من الاندماج الحضاري، كما روجت له الولايات المتحدة واستخدمت لأجله المنظمات الدولية وسيست المحاكم الدولية والبابوية الكنسية فضلا عن المحكمة الجنائية الدولية لفرض مفاهيمها وسلطويتها على العالم.
وفي هذا المجال فإن شعوب الشرق والجنوب من جهتها مطلوب منها مواجهة مزاعم الولايات المتحدة عبر انتاج أنظمة تتفاعل فيها منظومة القيم التاريخية والقيمية حيث الرمزية الملهمة للشعوب، مع متطلبات المعاصرة في المشاركة السياسية وباتجاه التعددية في مراكز الاستقطاب سياسياً وثقافياً وقيمياً واقتصادياً وجيوبولتيكياً لمنح العالم فرصة النموذج البديل والأفضل.

اترك تعليقا