Banner Post

 نقطة نظام في السجال حول الفيلم الوثائقي “زوايا الوطن زوايا الصحراء”

 بوشامة سلامة: باحث في العلوم السياسية

كانت ستكون الدورة السادسة من مهرجان الفيلم الوثائقي حول الثقافة والتاريخ والمجال الصحراوي الحساني المنظم بمدينة العيون في الفترة الممتدة من 19 إلى 25 دجنبر 2022، دورة عادية يلتئم فيها سينمائيون ومخرجون من شتى المشارب، قاسمهم المشترك محاولة التوثيق للثقافة الصحراوية الحسانية، لكنها لم تكن كذلك بسبب الشريط الوثائقي لمخرجته مجيدة بن كيران “زوايا الصحراء زوايا الوطن”، والذي أثار جدالا محتدما بعد عرضه، ما أوقف الدورة بالكامل، وإن لم نحصل على هذا الفيلم الوثائقي أو نشاهده بشكل كامل يمكننا من وضع تقييم له، فإن بعض مما تسرب منه، ومن النقاش المرافق للعرض من طرف ضيف مشارك في الشريط، حيث قيل إن الشيخ أحمد الركيبي، كشيخٍ من شيوخ زوايا الصحراء، بل وشيوخ كبرى القبائل الصحراوية كان عاقرا، كان كافيا ليعطي صورة عن الفيلم الوثائقي، ليس من حيث جودته السينمائية، ولا من حيث احترامه لمعايير الإنتاج أو التوثيق، بل من حيث جهله بالسياق العام والخاص الذي تقع ضمنه شخصية الشيخ “سيد أحمد الراكب” وأحفاده من قبيلة الرقيبات، وهو جهل وضع الفيلم الوثائقي في الزاوية.

إن الجهل الذي نعتقد أن من كان وراء الفلم الوثائقي قد وقع فيه، هو أنه تناول قضية النسب، وهي قضية بالغة الحساسية في المجتمعات القبلية، التي من بينها المجتمع المحلي بالأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية، والتي ترقى بالنسبة إليه إلى مسألة القداسة، كيف لا وأول ما يتعلمه ويحفظه النشء في حضن الأسرة هو انتمائه الاجتماعي ونسبه، والبحث في موضوع من مثل هذه الحساسية تتطلب من الباحث أن يتملك الأدوات العلمية الأساسية في حقل علمي قائم بذاته هو “علم الأنساب” أو “الجينيالوجيا”، ولا يحق له إطلاق الفرضيات على عواهنها، وإن كان يتناول الموضوع من الجانب الاجتماعي والانثربولوجي فإن قضية النسب لا تصبح ذات أهمية قصوى لأننا نكون إذ ذاك أمام الشواهد الاجتماعية المادية الثابتة، وفي حالتنا هذه نحن أمام قبيلة صحراوية قائمة الذات بتاريخها وثقافتها وببنياتها، بل إنها قبيلة مؤثرة وقطب الرحى في منطقة ذات وضع اعتباري خاص تجعلها الدولة في صلب سياساتها العمومية، أما إذا كنا أمام تناول للموضوع من طرف هواة غير متخصصين وفي سياق بحثهم عن الدعم العمومي، فكان من الأجدر بهم التطرق لمئات المواضيع الثقافية والاجتماعية غير موضوع عصي حتى على فقهائه وعلمائه.

من جهة أخرى، فإن جهل أصحاب الفيلم الوثائقي بالسياق العام والخاص الذي تناول ضمنه الموضوع، لا يخول لأي كان أن يضع سيف ديموقليس على الأدوات الحضارية التي طورها الإنسان للتعبير عن نفسه، فالدعوات لإعدام الفيلم أو إعدام المنتوجات الفكرية من كتب أو منشورات، أو حتى المس بأصحابها خارج القانون، هي في نظرنا دعوات ماضوية تفكرنا بمحاكم التفتيش وبالاضطهاد الفكري الذي قطعت معه مجتمعاتنا المدنية، لكن الفيلم الوثائقي يواجه بالفلم الوثائقي والكتاب يواجه بالكتاب والمقال بالمقال، والفكرة تقارع الفكرة، لذلك فإن تلك الدعوات هي وجه آخر للجهل، وهنا نطلق دعوى صريحة للمثقفين والمتعلمين المحليين لتوثيق تاريخهم واستثمار معارفهم في ذلك، دعوى موجهة كذلك لمنتجي المحتوى والصورة، كما نوجه دعوة للمؤسسات الرسمية للرقي بالمقاربات المعتمدة في الثقافة الصحراوية الحسانية، والابتعاد بها عن الاستعمالات السياسية الضيقة التي لا تخدم المصالح الوطنية الكبرى، بل إن نتائجها عكسية تماما، وذلك بالرجوع للمختصين.

اترك تعليقا