Banner Post

مدينة العبور ملاذ للاستقرار..المهاجرون الأفارقة والحجر الصحي

شكل المغرب خلال السنوات الأخيرة قبلة رئيسية لتوافد العديد من المهاجرين النازحين من دول جنوب الصحراء، اختلف هدفهم بين العبور نحو الضفة الأخرى أو الاستقرار على التراب المغربي. هذا الواقع الجديد فرض على السلطات المغربية اتخاذ مجموعة من الإجراءات لمعالجة هذه الظاهرة متعددة الأبعاد، تأرجحت أساسا بين ما هو أمني و انساني.

غير أن حالة الطوارئ الصحية التي تم إعلانها بالبلاد على غرار سائر دول المعمور نتيجة تفشي جائحة كوفيد 19، وما ترتب عن هذا الأمر من اغلاق كلي لجميع مرافق الحياة، كان له بالغ الأثر على وضعية هذه الفئة، حيث عمق من معاناتها وضاعفها خصوصا خلال فترة الحجر الصحي. وأمام غياب أية دراسة تطرقت إلى الموضوع، ارتئينا من خلال هذا التحقيق الصحفي الأول من نوعه على مستوى الجهة، تسليط الضوء على مدى تأثير جائحة كورونا على هذه الفئة الهشة بجهة كلميم وادنون، وعلى كيفية تعامل السلطات المحلية للملف خلال هذه الفترة الإستثنائية، وعلى إبراز مختلف تدخلات الفاعلين الحقوقيين والمجتمع المدني والاعلام رغم ضعف الإمكانيات.

كما تجدر الإشارة كذلك إلى الصعوبات العديدة التي واجهتنا أثناء إنجازنا لهذا التحقيق التي فرضتها طبيعة العمل، حيث حتمت علينا العمل مع فئة تعتبر “خارج القانون”. وقد تمثلت هذه الصعوبات أساسا في البحث و جمع المعلومات، وفي شح المعطيات. غير أن الأسئلة المرتبطة بهذه الظاهرة التي باتت تفرض نفسها اليوم، فرضت علينا نحن كذلك دخول غمار هذا التحقيق لمحاولة الإجابة على معظمها التي تتلخص صياغتها كالتالي : ماهي ظروف عيش المهاجرين المنحدرين من دول جنوب الصحراء خلال فترة الحجر الصحي بجهة كلميم وادنون ؟ وما هي الإجراءات التي اتخذتها السلطات المحلية بخصوص التعامل معهم ؟ وهل قدمت لهم يد العون والمساعدة ؟ وكيف كانت تدخلات باقي الفاعلين والمتدخلين من مؤسسات ومنظمات حقوقية ومجتمع مدني واعلام ؟

من سانت لويس إلى طانطان

 ذهاب دون إياب..!

أصبحت مدينة طانطان التابعة لجهة كلميم وادنون خلال السنوات الثلاث الأخيرة نقطة جذب ومسار مفضل لدى المهاجرين القادمين من دول جنوب الصحراء، إذ يتجمعون في أطرافها وفي مختلف أحياءها التي تعرف الهشاشة، ترقبا لفرصة الهجرة إلى الفردوس الأوروبي. ونظرا للظروف والمتغيرات التي عرفها العالم جراء تداعيات جائحة كورونا إضافة الى مجموعة من العوامل من قبيل سياسة الإغلاق والحراسة المشددة، وتغير سلوكيات المهاجرين، تحولت المدينة من مجرد نقطة عبور إلى الضفة الأخرى إلى أن أضحت نقطة استقرار.

“كامو فال” 35 سنة، متزوج وأب لطفل ببلده السينغال، هو واحد من المهاجرين الذين دخلوا المغرب عبر طائرة حطت بمطار الدار البيضاء منذ ثلاث سنوات قضى منها عامين بمدينة طانطان حيث كان حلمه يتمثل في العبور إلى الديار الأوروبية، بيد أن صعوبات الرحلة كانت أكبر من آماله، فمنذ اعلان حالة الطوارئ وحضر التجوال اللذين عرفتهما البلاد إلتحق “فال” بمركز للإيواء المؤقت الخاص بالمهاجرين غير النظاميين بحى تكيريا، حيث قضى هناك شهرين تلقى فيها عناية خاصة رفقة مجموعة من الأشخاص في نفس وضعيته، وقد صرح “فال” بان فترة الحجر الصحي كانت ستكون كارثية لولا الخدمات المختلفة التي كان يتلقاها بمعية مهاجرين آخرين بمركز الإيواء من تطبيب وإطعام ومواكبة نفسية مقارنة بمهاجرين آخرين كانوا يرفضون الإلتحاق بالمركز، فضلوا الإعتماد على أنفسهم حيث عانوا الأمرين من توفير ثمن الإيجار والبحث عن ما يسدون به رمقهم.

وعند بحثنا لمعرفة السبب الذي جعلهم يرفضون اللجوء لمراكز الإيواء، وجدنا أن معظمهم كان يخشى الترحيل، إذ كانوا يحاولون ما أمكن البقاء بعيدين عن الأعين و عن المراقبة الأمنية، غير أن “فال” يرى العكس وهذا ما جاء على لسانه: “خلال فترة الحجر الصحي بالذات، أحسست بأن مدينة طانطان هي بيتي، لقد تعرفت على سكانها والجميع أصبح يعرفني، تظل مشكلتي الوحيدة تتمثل في الحصول على تصريح الإقامة” وفي جوابه عن سؤالنا: لماذا طانطان تحديدا ؟ لماذا اخترت العيش هنا ؟ كان جوابه: “إنها مدينة هادئة وهذا ما يؤكده معظم أصدقائي المهاجرين، حيث يرون أنها مدينة مسالمة، خالية من العدوان ومن العنف وأعمال السرقة، فالمعيشة والسومة الكرائية أرخص هنا بكثير مقارنة بالمدن الأخرى”، وصرح “فال” كذلك بأن المهاجرين لا يستطيعون العودة إلى بلدانهم في الوقت الراهن بسبب الإغلاق، وبأنهم بالكاد يستطيعون جني قوتهم اليومي هنا، وأضاف أيضا: “أنا الآن أعمل بميناء طانطان وأكتري منزلا بالوطية وأريدك أن تبلغ شكوانا للجهات المختصة كما أتمنى أن تساعدني في الحصول على تصريح للإقامة لأنني أريد الذهاب لزيارة أسرتي بسانت لويس”.

ويبدو من طلب هذا المهاجر المتعلق بتسوية وضعيته القانونية ما يؤشر على أن المدينة تحولت الى مركز استقرار بدل نقطة عبور، وهو ما يمكن قراءته أيضا بلغة الأرقام، حيث بلغ عدد المقيمين بمدينة طانطان إلى حدود الآن 90 فردا يقيمون بشكل قانوني و ينحدرون من مختلف الجنسيات، من بينهم 45 مقيما من دول جنوب الصحراء.

النيابة العامة          

  “كل الضمانات كأي متقاضي”

بصفتها جهة متخصصة معنية بالملف موضوع التحقيق، وباعتبارها مؤسسة شريك في مشروع هجرة وحماية، وكجهاز يعالج قضايا المهاجرين منذ وصولهم إلى التراب الوطني إلى غاية تحديد حلول مستدامة لصالحهم، وسعيا منها لتحسين ظروف الإستقبال والتواصل مع الرأي العام، فتحت لنا النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية لطانطان أبوابها في شخص النائب الأول لوكيل الملك الأستاذ “يوسف ماهر” الذي طرحنا عليه سؤالين مباشرين: كيف كان تدخل النيابة العامة خلال فترة الحجر الصحي مع المهاجرين غير الشرعيين ؟ وما هي الضمانات الفعلية لحقوقهم الأساسية حسب القانون المنظم 02.03 والمتعلق بدخول وإقامة الأجانب في المملكة المغربية وبالهجرة غير المشروعة ؟ فكان جوابه كالتالي:

“بعد أن تتمكن المصالح الأمنية من ضبط المرشحين للهجرة من دول جنوب الصحراء يتم اخبارنا، وبتنسيق مع الوكيل العام للملك نأمر باعطائهم الإسعافات الأولية لأن غالبيتهم يكون في حالة صدمة، والوضع فوضوي جراء فشل محاولتهم في العبور لأنهم لا يتقبلون الأمر بسهولة، وحفاظا على سلامة الأطفال والنساء بالدرجة الأولى يتم نقلهم الى مراكز الإيواء لقضاء 15 يوما، في إنتظار نتائج التحاليل من كورونا، وبمجرد التحقق من خلوهم من الإصابة بكوفيد 19، يتم احالتهم على الضابطة القضائية للإستماع إلى أقوالهم، وبعد دراسة الملف والمحاضر تعطى التعليمات والأمر بالترحيل بالتنسيق مع السلطة المحلية حيث يتم ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية؛ وفي الحالة التي تكون فيها الحدود مغلقة كما هو عليه الحال اليوم تتم احالتهم على مراكز الإيواء الى حين إعادة فتح الحدود فيتم ترحيلهم غير أنه في غالب الأحيان لايتم تفعيل مسطرة الترحيل”.

لأسباب تتعلق أساسا برفض الدولة المتسلمة استقبال أي شخص لايحمل وثائق تثبت هويته، حيث يتجرد الشخص المُرٓحل في أغلب الحالات من تلك الوثائق عن قصد أو عن غير قصد، هذا بالإضافة الى المصاريف التي تثقل كاهل الدولة من خلال توفير الوسائل اللوجستيكية اللازمة المرتبطة بعملية الترحيل، مما يجعل أعدادهم في تزايد مستمر على مستوى المدينة، بلغ صيته قبة البرلمان، عبر سؤال كتابي وجهته البرلمانية “عويشة زلفى” عن الفريق الاشتراكي إلى وزير الشؤون الخارجية والتعاون الافريقي والمغاربة المقيمين بالخارج بتاريخ 02/12/2021. تناول موضوع ارتفاع عدد المهاجرين الأفارقة بمدينة طانطان جهة كلميم وادنون.

كما وصف الأستاذ “يوسف ماهر” : “مستوى و معدل الجريمة لدى المهاجرين بمدينة طانطان بالمنخفض إن لم يكن شبه منعدم، باستثناء بعض الشجارات و حالات تبادل العنف التي تحصل بينهم في بعض الأحيان” ويحيلنا هذا الأمر على ما أسره لنا “فال” عندما صرح بأن: “سبب اختيار المهاجرين البقاء في مدينة طانطان يكمن في الهدوء والسكينة التي تتميز بهما المدينة”. و مع ذلك، سجلت المحكمة الابتدائية لطانطان قضيتين : تعود الأولى لمهاجر ارتكب سرقة في حق شخص محلي أمام مقر وكالة بنكية، فتم الحكم عليه ب3 سنوات عقوبة حبسية ، و الثانية لامراة كانت قد رفعت دعوى طرد محتل بدون سند ضد مهاجر غادر الى اسبانيا وتركها مع أشخاص غرباء لا تعرفهم، ولا تربطهم أية علاقة بالمحل الذي يتقاسمون معها سومة كرائه.

بالإضافة إلى ما سبق، يطرح على السلطات الأمنية مشكل الإلتباس في التعرف على مرتكب الجريمة، ذلك أن معظم المهاجرين يمتلكون ملامح متشابهة تصعب على المشتكي تحديد هوية الجاني بدقة والتعرف عليه. أما في حالة ارتكاب جنحة من طرف المهاجر، فإنه يعتقل حسب درجة خطورة الفعل، ويحال على النيابة العامة التي تستمع إلى أقواله، و تقرر بعد دراسة المحضر في مصيره، إما اعتقاله، أو اطلاق سراحه، أو تعطي أوامرها بالترحيل في حقه. و تجدر الإشارة أخيرا، إلى أن المهاجرين يتمتعون بكافة الضمانات الضرورية التي تمكنهم من المحاكمة العادلة.

باحث في مجال الهجرة

“حلم العبور دائم التجدد…” 

يشير المتخصصون في ملف الهجرة من جهتهم إلى أن مدينة طانطان باتت تعتبر قاعة انتظار بالنسبة للمهاجرين القادمين من دول جنوب الصحراء أثناء مسار تحقيق حلمهم في العبور إلى الضفة الأخرى، أو في الاستقرار بالمدينة للحصول على تصريح للإقامة، وتحقيق الاندماج مع ساكنة أصبحت تتعايش مع الوضع وتتفاعل معه، و ذلك وفق سلوك تطبعه قيم الإنسانية بالدرجة الأولى.

وفي هذا الصدد، اتصلنا بالباحث : ” مصطفى بوعمود” المتخصص في شؤون الهجرة، الذي أشار “إلى أن ظاهرة الهجرة تعد من الإشكالات الراهنة التي اتخذت حيزا كبيرا في الحوارات الدولية وشغلت اهتمام الباحثين والسياسيين في العالم. وهي ظاهرة لا يمكن فهمها بمعزل عن باقي الظواهر الاجتماعية، لكونها تتميز بالكلية والشمولية نظرا لتداخل العديد من العناصر الطبيعية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية المسببة فيها. وهو ما يستدعي معه نقاشا بين جميع المتدخلين في المجال”. وفي جوابه عن السؤال الذي وجهناه له حول العوامل والاسباب التي ساهمت في تحول مدينة طانطان من نقطة عبور إلى نقطة استقرار للمهاجرين القادمين من دول جنوب الصحراء؟ أجاب: “لا يمكن الحسم بشكل مطلق على ما تضمنه السؤال بخصوص تحول مدينة طانطان من نقطة عبور إلى مركز استقرار بالنظر إلى ما تشهده هذه الظاهرة من دينامية يصعب ضبطها، خصوصا وأننا نتابع موجات هجرة تتم بوثيرة متفاوتة، حيث ترتفع الأعداد أحيانا وتنخفض في أحيان أخرى. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، لا يخفى على المتتبع لهذه الظاهرة تزايد عدد عمليات الهجرة بالمنطقة بواسطة قوارب الموت التي تم احباطها خلال الفترة الأخيرة، والتي همت أعدادا كبيرة من المهاجرين من دول جنوب الصحراء، الأمر الذي يحيل على أن مسألة العبور تظل قائمة بشكل مثير، لذلك، يمكن أن نفسر بأن ارتفاع توافد هؤلاء المهاجرين على مدينه طانطان خاصة، وعلى مدن الجنوب عموما يظل مرتبطا بتشديد المراقبة الأمنية في مناطق شمال المملكة، و بإجهاض عمليات العبور التي تقوم بها السلطات هنالك، هذا الواقع فرض على شبكات “المافيا ” التي تنشط في الوساطة و في تغيير تيسير عمليات الهجرة السرية بوصلتها نحو مدن الجنوب. ”

وفي سؤالنا عن الاقتراحات والاجراءات التي يرى بأنها قد تساعد في تبسيط مسطرة منح تصاريح الاقامة لهؤلاء المهاجرين غير الشرعيين؟ أجاب: “يرتبط هذا السؤال في سياقه العام بالإستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء التي ينهجها المغرب في هذا الإطار، والحديث عن تبسيط مساطر تسوية أوضاع المهاجرين في وضعية غير نظامية يظل مرهونا بمعايير وبشروط التسوية التي وضعت في هذا الشأن خلال العملية الاستثنائية الاولى التي تمت سنة 2014، والتي تم توسيعها خلال العملية الاستثنائية الثانية لسنة 2016 ، بيد أنه تجب الإشارة هنا إلى أن بعض هذه الشروط يصعب توفرها بالنسبة لفئات عريضة من المهاجرين، في ظل الأوضاع الهشة التي يعيشونها. ونعني بها شرط التوفر على عقد عمل فعلي لا تقل مدته عن سنتين، وأيضا إثبات شرط الإقامة بالمغرب بصفة متواصلة، لمدة لا تقل عن خمس سنوات “.

كما أضاف الباحث مصطفى بوعمود في رده عن مدى فاعلية الترسانة القانونية لإشراك المهاجرين من دول جنوب الصحراء في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالمغرب دون تمييز:

“لقد بادر المغرب إلى إعداد سياسة جديد للهجرة واللجوء في يناير 2014 تميزت ببعدها الانساني والحقوقي، من خلال تغيير القوانين الخاصة بالهجرة واللجوء واستغلال البشر، وتسوية الوضعية القانونية لكل من المهاجرين واللاجئين، وعبر توطيد التعاون الداخلي والدولي بين كافة المتدخلين في مجال الهجرة. حيث كانت تهدف هذه السياسة الجديدة إلى اطلاق حملات تسوية الوضعية القانونية لفائدة المهاجرين، وتنظيم حملات لتسجيل ابناءهم بالحالة المدنية، وتمتيعهم بالحق في التعليم، وهو ما سيمكن المهاجرين في المغرب من الحصول على فرص للعمل، وعلى الرعاية الطبية والاجتماعية، كما نصت على ذلك الاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء التي تتكون من 11 برنامج عمل يغطي مجالات التعليم والصحة، والسكن والتشغيل والمساعدة الاجتماعية.

فإذا كانت أسباب الهجرة ترجع إلى البحث عن العمل، و إلى الهروب من حالة الحروب وانعدام الأمن والاضطهاد في تلك البلدان، فإن المهاجرين وجدوا بالمقابل في المغرب الأمن وجودة ظروف المعيشة، ولعل ذلك يظل من الأسباب الرئيسية لاختياره كبلد للهجرة، حيث يمثل العمل المأجور النشاط الأكثر انتشارا بين المهاجرين بالمغرب.”

وفي الأخير، طرحنا سؤالنا بخصوص وجهة نظره حول الحلول التي يقترحها للتعامل مع وضعية المهاجرين بمدينة طانطان؟

حيث أجاب: “استحضر هنا المجهودات التي بذلت خلال فترة الحجر الصحي بسبب جائحة كورونا، والتي همت فئة كبيرة من المهاجرين من جنسيات مختلفة، و أبانت عن قيم انسانية متميزة تؤكد بعمق على التضامن و على حسن المعاملة والمساعدة، من خلال مبادرات الفاعلين المدنيين، التي برزت وفق رؤية اجتماعية كثفت من خلالها كل طاقاتها وامكانياتها، كما عبرت عبرها عن سلوكات مجتمعية، تمثلت في الترحاب و في ايواء المهاجرين غير النظامين من دول جنوب الصحراء بطانطان. ويمكنني أن أضيف من خلال الملاحظة المباشرة، التفاعل الايجابي بين كل من السكان والمهاجرين، الذين يقطنون في مختلف الأحياء، ويشتغلون داخل المنازل و في العمل المأجور و في ميادين البناء و في بعض الحرف الأخرى. وقد بينت الدراسات أن مهاجرين إثنين من بين ثلاثة، يعتبرون أن تصورات ومواقف المغاربة اتجاههم تظل إيجابية عموما. وبناء على ذلك، يستلزم علينا الأمر فهم هذه الظاهرة في بعدها الانساني قبل كل شيء آخر.

التعاون الوطني:                                                 

 “مقاربة إنسانية أخلاقية”

أضحى عدد مهم من المهاجرين و من عابري السبيل يفرض نفسه بمدينة طانطان خلال فترة الحجر الصحي، وهو عدد في تزايد يومي، حيث بلغ مجموع الأشخاص الذين تم إحصائهم من بلدان جنوب الصحراء المتواجدين بالمدينة الى 328 مهاجرا من مختلف الجنسيات. هذا الواقع، جعل المندوبية الإقليمية للتعاون الوطني بطانطان تباشر في عقد اجتماعات مكثفة لإحداث مراكز للإيواء المؤقت للأشخاص في وضعية شارع وعابري السبيل، ومن بينهم المهاجرين من دول جنوب الصحراء باعتبارهم فئات هشة تستوجب مد يد المساعدة لها، وفتح مجال الإدماج أمامها كما نصت على ذلك مذكرة صدرت في هذا الشأن في وقت سابق من الإدارة المركزية للتعاون الوطني.

و في هذا السياق، صرح المندوب الإقليمي للتعاون الوطني بطانطان : “بلبل سالم” “بأنه تم احداث خمسة مراكز للإيواء بمدينة طانطان بتنسيق مع كل من السلطة المحلية، والمديرية الإقليمية للصحة، وجمعيات المجتمع المدني بطاقة استيعابية تقدر ب 123 سرير، حيث تم تخصيص مركزين منهما لإيواء المهاجرين غير النظاميين. وقد وفرت هذه المراكز أغطية وملابس وطعام يكفي لأربع وجبات يوميا، بالإضافة إلى المتابعة الطبية. وفي اطار الإجراءات الاحترازية، تم عزل 11 مهاجرا كانوا مصابين بفيروس كورونا عن بقية المهاجرين.

و منذ اعلان حالة الطوارئ الصحية بالمغرب الى غاية بداية مرحلة التخفيف من الاجراءات الاحترازية بتاريخ 24 يونيو 2020، تم إيواء ما مجموعه 233 مهاجرا. إلى ذلك، عبر المندوب عن امتنانه وشكره لجميع المتدخلين الميدانيين من سلطات محلية، وقضائية وأمنية، وكذا لكل مكونات المجتمع المدني، والساكنة. حيث جسد هذا التعاون روح العمل الجماعي الناجح بين كل متدخل وكل مكون عمل في مجال اختصاصه ومن موقعه، وكانت النتيجة إيجابية بامتياز جعلت سياسة الهجرة تتجاوز المقاربة الأمنية، الى مقاربة إنسانية و أخلاقية”.

المجتمع المدني:    

   “مبادرات تضامنية عنوانها الإنسانية”

لعبت جمعيات المجتمع المدني دورا مهما في احتضان المهاجرين غير النظاميين، فجعلت من مساعدتهم وتحسين أوضاعهم واحدا من أكبر اهتماماتها. وفي هذا الصدد، أبانت فعاليات المجتمع المدني على علو كعبها في تعاملها مع المهاجرين من دول جنوب الصحراء بمدشر الطنطان خلال فترة الحجر الصحي، حيث كان أفرادها على قدر المسؤولية. كما شكلت هذه الجمعيات نقطة وصل بين السلطة من جهة والمهاجرين من جهة أخرى، حيث اشتغلت معهم في مراكز إيواء تكلفت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بتجهيزها، كما خصصت منحة مالية لفائدة الجمعيات المشرفة على هذه المراكز المؤقتة من أجل تقديم خدمات الاطعام والتطبيب والمواكبة النفسية والاجتماعية للمهاجرين، ومن بين هذه الجمعيات، تشرف جمعية “القلوب الرحيمة” على مركز الإيواء للأشخاص بدون مأوى بحي تيكيريا الذي استقبل 22 مهاجرا من دول جنوب الصحراء، إلا أن الجمعية وكباقي الجمعيات المكلفة بتسيير للمراكز لم تكتف بإيواء نزلائها فقط، بل قامت بتوزيع عدد من المساعدات الغذائية بشراكة مع “إسعاف تلويني” على مهاجرين آخرين كانوا يعيشون على شكل مجموعات أو عائلات تقطن خارج مراكز الايواء، في منازل مستأجرة في أطراف المدينة و في الأحياء الهامشية، كما استقبل مركز الايواء المؤقت حي الشيخ محمد الاغظف بدوره 12 مهاجرا غير نظامي.

ومن جهته، انخرط المكتب الإقليمي للمركز المغربي لحقوق الانسان بطانطان الى جانب جمعية “القلوب الرحيمة” بشراكة مع المندوبية الإقليمية للتعاون الوطني والسلطات المحلية، في حملة لتقديم وجبات للأشخاص المشردين، وشملت مهاجرين من دول جنوب الصحراء. غير أن رئيس المركز ” عبد الله بوبريك ” “سجل حدوث بعض التجاوزات التي تبقى حالات معزولة، و ناتجة عن تخوف بعض المهاجرين من ترحيلهم، كما طالب الدولة باتخاذ مجموعة من التدابير لدمج هؤلاء المهاجرين من خلال تسوية وضعيتهم القانونية، ومنحهم تصاريح إقامة وتسجيل أبنائهم في التعليم النظامي، وتلقينهم اللغة والثقافة المغربيتين”.

أما “محمد جرو” رئيس فرع الجمعية المغربية لحقوق الانسان بطانطان وعضو اللجنة المركزية للهجرة واللجوء عن ذات الجمعية فقد صرح ب “تسجيل الجمعية في بعض المحطات بجهة كلميم وادنون، لأشكال من التعامل غير اللائق مع هاته الفئة من المهاجرين، بحيث تنشط مافيات مغربية وافريقية وغيرها في الاتجار بالبشر، وقد تابع شخصيا بتكليف من المكتب المركزي للجمعية وضعية تسعة مهاجرين خلال جائحة كورونا كانت حالتهم مزرية بحكم أنهم كانوا يفضلون عدم الذهاب لمراكز الايواء التي أنجزتها الدولة عبر التعاون الوطني, ولكن بفضل تدخل الجمعية، وتفاعل الجيران، استطاعوا أن يتجاوزوا محنتهم، كما طلب محمد جرو من الجهات المسؤولة العمل على ادماج من يرغب في الاستقرار، و قد لمس فعلا من بعضهم رغبته في العيش هنا والعمل في مهن بسيطة من قبيل البناء وغيره..”

الإعلام…

لا يمكن الحديث عن قضية الهجرة غير الشرعية دون الوقوف في محطة التغطية الإعلامية التي واكبت هذه الظاهرة أثناء فترة الحجر الصحي، حيث أنه من المرات القليلة التي لم يكتف الإعلام في تناوله لقضية مهمة بدور توعوي كما درجت في العادة، بل تعداه إلى الانخراط في المساهمة الفعلية في الحفاظ على السلامة العامة.

و في هذا الإطار، قامت “طانطان 24 و هي جريدة الكترونية تشتغل جهويا ومحليا على مستوى مدينة طانطان، بتغطية ومتابعة العديد من الأنشطة الموازية التي كانت تهتم بمساعدة المهاجرين المنحدرين من دول جنوب الصحراء، كما كانت تسلط الضوء على عمليات النزوح الجماعي للمهاجرين، وتسللهم الى المدينة خلال فترة الحجر الصحي، بعد طردهم من مدن أخرى مجاورة جعلت منهم المتهم الأول في نشر فيروس كورونا من قبل الساكنة، وقد سجلت أول حالة وأكبر نسبة في صفوف المهاجرين الذين قدموا من مدينة طرفاية، وهو ما كان يفرض علينا كإعلاميين إخبار الساكنة أولا بأخذ الحيطة والحذر في التعامل مع هاته الفئة، وثانيا للفت انتباه السلطات المحلية على ضوء الأخبار التي يتم نشرها للحد من تنقلهم، وللحيلولة دون مساهمتهم في نقل العدوى،” كان هذا ما صرح به “محمد حمو” مدير نشر الجريدة الذي أضاف: “أن معرفتهم المسبقة بأماكن تواجد المهاجرين غير النظاميين ساعد في التواصل معهم، و في الوقوف على احتياجاتهم الخاصة لفتح باب المساعدات على نطاق واسع عبر إطلاق نداءات، وتنظيم حملات تطوعية لجمع التبرعات لمساعدتهم”.

معظم المهاجرين يريد الذهاب إلى الفردوس الأوروبي لأنهم لا يرون مستقبلهم هنا، إلا أن هناك عددا لا بأس به ممن أبدى رغبته في الاستقرار بجهة كلميم وادنون، بل وأنجبوا أبنائهم بمختلف مدن الجهة، مما يستدعي العمل على تبسيط الإجراءات الإدارية لتمكينهم من بطاقات الإقامة، واحداث مراكز للتربية والتكوين لتعليمهم صنع أو حرف من شأنها أن تساعدهم في الاندماج داخل المجتمع الواد نوني. إلى ذلك، يظل الجانب الإنساني هو الغالب في تعامل مختلف فعاليات المجتمع المدني مع هذه الفئات الهشة في إطار مؤسسات الدولة، بغض النظر عن وضعيتهم القانونية، هذا وسيقتصر دور المؤسسات و الفاعلين إقليميا على إدارة أزمة المهاجرين، إلى حين معالجتها وتسويتها وطنيا./.

اترك تعليقا