يمتد تاريخ اليهود في المغرب إلى مئات السنين، وهناك مصادر تشير إلى أن ذلك التاريخ يرجع إلى فترة ما قبل الميلاد، ومصادر أخرى تذكر أن “جزءا من أمازيغ شمال أفريقيا كانوا يهودا” وأنهم من “السكان الأصليين” في هذه المنطقة.
وقد اهتم العديد من المؤرخين والباحثين بموضوع تاريخ اليهود في المغرب، القديم والحديث، وعاداتهم وتقاليدهم وبصمتهم في مختلف المجالات.
ورغم أن عددا كبيرا من اليهود المغاربة لم يعودوا مستقرين في المغرب إلا أن العديد منهم لا يزالون يحرصون على القيام بزيارات منتظمة إلى المملكة خاصة في بعض المناسبات كـ”عيد هيلولا”.
إليكم بعض الحقائق عن يهود المغرب:
سكان أصليون؟
يعتقد بعض المؤرخين أن اليهود – أمازيغ وغير أمازيغ – هم سكان أصليون للمغرب.
وتختلف العديد من المصادر التاريخية حول يهودية أمازيغ المغرب، إذ يعتقد المؤرخ العربي الشهير عبد الرحمن ابن خلدون أن “جزءا من أمازيغ شمال أفريقيا كانوا يهودا”.
ويرجع ابن خلدون أصول هؤلاء اليهود إلى خليط من الشعوب الفينيقية والكنعانية. وفي مواضع أخرى من مجلده الضخم “العبر”، يذهب إلى أن بعضهم ينحدرون من مملكة حمير اليمنية (110 قبل الميلاد-527 ميلادية).
لكن مؤرخين آخرين – مثل المؤرخ الإسرائيلي المثير للجدل شلومو ساند يعتقدون أن أمازيغ شمال أفريقيا كانوا يهودا غير أرثوذوكس، وهم إلى ذلك سكان أصليون اعتنقوا اليهودية ولم يهاجروا إلى المغرب من أي مكان آخر.
تدمير الهيكل الثاني والهجرة غربا
هناك مؤرخون آخرون يعتنقون نظرية بديلة لأصل اليهود في المغرب، وهي هروبهم من القدس بعد تدمير الرومان لهيكل سليمان عام 70 قبل الميلاد.
وفي هذا الصدد، يذكر عبد الله لغمائد في كتابه “يعود منطقة سوس” أن “من بين الوقائع المعروفة تاريخيا في فترة الرومان، تدمير الهيكل الثاني سنة 70 ميلادية على يد الإمبراطور الروماني فلافبوس تيتوس”، الشيء الذي دفع اليهود إلى الهجرة نحو شمال أفريقيا والاستقرار بعدة مناطق.
قادة أمازيغ.. يهود؟
يرى بعض المؤرخين الإسرائيليين أن قادة أمازيغ كبار كانوا يهودا، فالعديد منهم يعتبر مثلا ديهيا – التي حكمت الأمازيغ – يهودية.
وفي 1939، ألف المؤرخ، ناحوم سلوشز، كتابا بعنوان “ديهيا الكاهنة”، مؤكدا لأول مرة أن اسمها اليهودي هو “جوديت الكاهنة Judith the Priestess”، وبما أن اسم كوهن يعني الكاهن، فإن اسمها خرج من جذر لفظ “الكهانة”.
ويضيف: “حتى قومها جراوة ينحدرون من أصول يهودية واسمهم الحقيقي هو Gera، وهم شعب إسرائيل القادم إلى شمال أفريقيا من مصر عبر ليبيا”.
“10% من السكان كانوا يهودا”
في كتابه “ذكريات الغياب: كيف يتذكر المسلمون اليهود في المغرب”، يذكر أستاذ الأنثروبولوجيا في جامعة كاليفورنيا-لوس أنجلوس، أومار بوم، أن “المغرب من أقدم بلدان العالم العربي التي استوطن فيها اليهود، ويعود وجودهم إلى فترة ما قبل الإسلام حيث بلغ عدد الجالية اليهودية في المغرب ذروته قبل الحرب العالمية الثانية بين 2.5 و10 في المئة من إجمالي السكان”.
ويضيف: “كانوا في الغالب يعيشون في المناطق الحضرية والمناطق الاستعمارية الفرنسية والإسبانية ويلقبون بـ “أهل الكتاب” من قبل المسلمين، كما أنهم عاشوا تحت حماية السلطان المغربي”.
الملاح.. حي اليهود
في المغرب، تسمى الأحياء التي يسكنها اليهود “الملاح”، وذكرت المؤرخة المتخصصة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، إيميلي غوتريتش بنيشو، في كتابها “ملاح مراكش”، أن “الأحياء اليهودية المسورة ظهرت لأول مرة في العواصم الملكية، ابتداء من فاس عام 1438، تلتها مراكش في القرن السادس عشر، ثم مكناس في القرن السابع عشر، ومدن مغربية صغرى في أوائل القرن التاسع عشر”.
ووصفت بنيشو هذه الأحياء بـ”مدينة داخل مدينة”، لأنها كانت تتمتع بالاستقلالية وتخضع لتسيير ذاتي على رأسها الحاخام أو “شيخ اليهود”، الذي كان أيضا يشرف على الوساطة بين سكان الملاح والسلطات.
يهود سوس والفضة
كانت ممارسة اليهود للأنشطة الفلاحية جد محدود، خاصة أن القوانين العرفية بمنطقة سوس (جنوب المغرب) لم تكن تسمح بامتلاك الأرض بل تسمح فقط باستغلالها لمدة معينة مقابل أداء مبلغ مالي، وهذا ما دفع باليهود إلى ممارسة مهن أخرى.
يقول عبد الله لغمائد في كتابه “ارتبطت بعض الحرف والمهن بشخصية اليهود رغم أنها لم تكن مقتصرة عليهم، فقد توجهوا نحو الصياغة فأبدعوا في صناعة الحلي والأكاف والمجوهرات وأضافوا لها لمستهم الخاصة، فنجد أن بعد الرموز اليهودية الأصل لا زالت تستخدم في حلي الفضة خصوصا، كما عرفوا باحتكارهم لصناعة النقود”.
يوم هيلولا
يزور اليهود المغرب كل سنة، من جميع أنحاء العالم، لإحياء يوم هيلولا، وتعني بالعبرية “يوم العيد”.
خلال هذه الاحتفالات يحج اليهود إلى أضرحة الحاخامات المدفونين بالمغرب للتبرك بهم.
وتعتبر أشهر هيلولة بالمغرب هيلولة الحاخام “عمران بنديوان”، حيث يتوجه آلاف اليهود إلى مدينة وزان لزيارة قبره فيشعلون الشموع، ويقدمون القرابين، ويصلون طلبا من الولي الصالح تحقيق أمانيهم.
كما أنهم يعتبرون هيلولا مناسبة لإحياء الصلة مع أجدادهم ووطنهم. ويوجد بالمغرب حوالي 36 معبدا وعددا كبيرا من الأضرحة والمزارات الدينية اليهودية.
اليهود ومدينة الصويرة
عرف اليهود المغاربة بمهاراتهم في التجارة والمعاملات المالية، كما أنهم لعبوا دورا هاما في الوساطة بين المغرب وأوروبا تجاريا.
فبعد أن أسس السلطان، محمد بن عبد الله، مدينة الصويرة سنة 1764، أراد أن ينعش اقتصادها وتجارتها فـ”نودي على العديد من الأسر التجارية اليهودية من باقي المدن المغربية، مثل فاس، ومراكش وتطوان لممارسة التجارة”.
وجاء أغلبية اليهود – الذين افتتحوا المدينة الجديدة – من مدينة أكادير، وفق عبد الله لغمائد الذي يقول إن التجار اليهود القادمين منها كانوا “أول من بنوا منازلهم بالصويرة”، وكانت من بين أوائل العائلات التي استقرت بمدينة الصويرة عائلة أفلالو وبينا وأفرياط وأوحيون.
الموسيقى الأندلسية
طوّر اليهود المغاربة، في بدايات القرن العشرين، تقاليد الموسيقى الكلاسيكية الأندلسية، خاصة بعد نزوح عدد كبير من اليهود السفارديم إلى المغرب عقب سقوط غرناطة وطرد المسلمين من الأندلس.
ساهم اليهود في نشر الطرب الغرناطي بالمغرب الأقصى، وبالتحديد بمدينتي وجدة والرباط ليصبح شكلا غنائيا يميز الحفلات الدينية وغير الدينية.