Banner Post

السياق الدولي المضطرب ورهانات الدبلوماسية المغربية

نقطة الأسبوع: 9

         تتميز عقيدة الدبلوماسية المغربية بالواقعية والبرغماتية، وتوجهها بوصلة الوحدة الترابية للمملكة، فالمغرب حريص على أن تبقى مواقفه وتحالفاته خدمة لمصالحه وقضاياه الوطنية الكبرى، وهي العقيدة التي تجعل من علاقاته على المستوى الدولي متوازنة، بما يخدم أهدافه، لذلك فإنه إلى جانب المحافظة على تحالفاته الدولية التقليدية، التي ورثها عن عهد الحماية، واستمر في تطويرها بعد ذلك، والتي تضعه في خندق الدول التي ترتبط بعلاقات متينة مع الغرب بقيادة الولايات المتحدة، يتطلع إلى تنويع علاقاته مع مختلف القوى الدولية المؤثرة تمشايا مع عقيدته الواقعية ومع تحولات النظام الدولي الذي أضحى يتجه بخطى ثابتة نحو نظام دولي متعدد الأقطاب، خاصة مع المتغيرات المتسارعة والمتلاحقة التي وسمت النظام الدولي بعد الأزمة المالية لسنة 2008 والتي تعمقت مع الوضع الذي أنتجته جائحة كورونا، والتي وضعت العالم أمام أزمة اقتصادية لم يشهدها من قبل والمتمثلة في تراجع الطلب والعرض في آن واحد.

إلى ذلك الأزمة الأوكرانية التي وضعت روسيا والغرب في مواجهة شبه مباشرة، انتقل صداها إلى مختلف المجالات من الإعلام والرياضة والمؤسسات الدولية، بل وصلت إلى المجال العسكري عبر اغداق الدعم العسكري لاوكرانيا في مواجهة القوات الروسية، وجد المغرب نفسه أمام خيارات قد تهدد مصالحه، فهو الحريص على علاقات متوازنة، وقد أظهر منذ بداية الأزمة كثير من الحياد اتجاه الأطراف، حيث لم يحضر إطلاقا لاجتماعي الجمعية العامة للأمم المتحدة التي أدانت عملية روسيا العسكرية واجتماع مجلس حقوق الإنسان التابع للمنظمة الأممية والتي تمت خلاله تعليق عضوية روسيا به، عكس دول حليفة لروسيا والتي اختارت الحضور والامتناع عن التصويت، ليكون المغرب قد أصل موقف جديد إلى جانب التأييد والرفض والامتناع وهو موقف عدم الحضور من الأساس، ولسان حاله يقول أن مايهم هو حماية علاقاته المتوازنة مع كل القوى، بما يخدم مصالحه، إلا أنه ومع اشتداد الأزمة بين روسيا والغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، فإن الأخيرة أضحت تتجه بحسب المتابعين والخبراء إلى بعض الخطوات العسكرية بعد ان إستنفدت ما بجعبتها من خطوات اقتصادية، ما حذا بها إلى عقد اجتماع بهدف المساعدة الأمنية المتزايدة “لكييف”، حيث قام وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن بترأس اجتماع لأكثر من 40 دولة في قاعدة “رامشتاين” الجوية الأميركية في ألمانيا، لإجراء محادثات دفاعية مرتبطة بأوكرانيا. وهو الاجتماع الذي حضره المغرب ممثلا بالسيد عبد اللطيف لوديي، الوزير المنتدب لدى رئاسة الحكومة المكلف بإدارة الدفاع الوطني، ويؤشر هذا الحضور بحسب مراقبين على تغير في موقف الرباط إزاء الحرب الروسية في أوكرانيا، بعدما اختارت الدبلوماسية المغربية في السابق موقف الحياد بعيدا عن تجاذبات موسكو وواشنطن، إلا أن البعض الآخر يرى فيه حضورا تقنيا وروتينيا لا يغير من توجهات المغرب الكبرى وسياسته المتوازنة اتجاه كافة القوى الكبرى بالعالم حفاظا على مصالحه وعلى رأسها قضية وحدته الترابية.

لا شك أن الوضع الدولي الراهن جد حساس، والاصطفافات ستكون هي السمة البارزة لسنوات قادمة، لذلك فرغم أنه يطرح السؤال عن كيف ستدبر الدبلوماسية المغربية الحقبة الراهنة والقادمة التي تتشكل؟؟؟ فإن الأكيد أن محافظة المغرب على حدود من التوازن والحياد في دبلوماسية واقعية وبرغماتية ستكون هي العقيدة التي لا محيد عنها في ظل نظام دولي مضطرب.

اترك تعليقا