Top

تقرير حقوقي يكشف أعطاب المنظومة الصحية بالمغرب: خصاص في الأطر وفساد ينهك المستشفيات

كشف تقرير صادر عن المركز المغربي لحقوق الإنسان عن واقع مثير للقلق يعيشه قطاع الصحة بالمغرب، واصفًا المنظومة بأنها “مثخنة بالاختلالات البنيوية والفساد المستشري”، محذرًا من تداعياتها المباشرة على حق المواطنين في العلاج والكرامة، وذلك على الرغم من الضمانات الدستورية التي يكفلها الفصل 31 من الدستور المغربي .

نقص مهول في الموارد البشرية وهجرة الكفاءات

أكد التقرير أن المغرب لا يزال بعيدًا عن المعايير الدولية في ما يخص عدد الأطباء والممرضين مقارنة بعدد السكان. فعدد الأطباء في القطاعين العام والخاص معاً لا يتجاوز 29 ألف طبيب وطبيبة، بمعدل 8 أطباء لكل 10 آلاف نسمة، في حين أن المعدل الذي تحدده منظمة الصحة العالمية يصل إلى 15.3 طبيبا . ويرجع المركز هذه الوضعية إلى ضعف التحفيزات، وهشاشة البنية التحتية، وتدني الأجور، إضافة إلى هجرة الكفاءات نحو القطاع الخاص أو الخارج، حيث كشفت الإحصائيات أن المغرب فقد أزيد من 1400 طبيب خلال سنة واحدة فقط .

فساد إداري وتلاعب في الصفقات وغياب الشفافية

سلّط التقرير الضوء على “تفشي الفساد” داخل المنظومة الصحية، سواء عبر التلاعب في الصفقات العمومية المتعلقة بالتجهيزات والأدوية، أو من خلال ممارسات غير قانونية. وأشار إلى أن غياب آليات مراقبة فعّالة يساهم في استمرار هذه الظواهر، حيث أن تدبير الأدوية والمستلزمات الطبية لا يخلو من شبهات، سواء من حيث جودتها أو أثمانها أو طريقة توزيعها.

اختلالات تعميم التغطية الصحية

ورغم الجهود الرامية إلى تعميم التغطية الصحية، إلا أن التقارير تكشف استمرار اختلالات تقوض فعالية هذا الورش. ومن بين هذه الإشكالات تأخر معالجة ملفات استرجاع المصاريف الطبية، ورفض تعويض أدوية باهظة الثمن لعلاج أمراض مزمنة، وعدم ملاءمة قيمة الاشتراكات مع القدرة الاقتصادية للفئات الهشة، مما يحد من الأثر الاجتماعي المرجو منها .

صحة نفسية مهمَلة

أبرز التقرير أن قطاع الصحة النفسية يظل من بين أكثر المجالات تهميشًا، إذ لا يتعدى عدد الأطباء النفسيين بضع مئات موزعين بشكل غير متكافئ عبر التراب الوطني، فيما يظل مستشفى الأمراض النفسية بالبيضاء وبضع مؤسسات جهوية عاجزة عن الاستجابة للطلب المتزايد. وشدد المركز على أن الإدمان، العنف الأسري، والانتحار باتت قضايا مقلقة في غياب استراتيجية وطنية شاملة.

ضعف الحكامة وغياب العدالة المجالية

انتقد التقرير غياب رؤية استراتيجية واضحة لإصلاح القطاع، معتبرًا أن السياسات المتبعة غالبًا ما تظل ترقيعية. كما أشار إلى التفاوت الصارخ بين المناطق الحضرية والقروية في ولوج الخدمات الطبية، ما يكرّس “فوارق صحية” تتعارض مع مبدأ المساواة الدستوري. وهذا الواقع ينعكس أيضاً على التصنيف الدولي، حيث حل المغرب في المرتبة 94 من أصل 99 دولة في مؤشر الرعاية الصحية العالمي لعام 2025 .

دعوة إلى إصلاحات جذرية

خلص المركز المغربي لحقوق الإنسان إلى أن الوضعية الراهنة للقطاع الصحي تهدد حق المواطن في الحياة الكريمة، داعيًا إلى:

· تأهيل البنيات التحتية الصحية وتجهيزها وفق المعايير الدولية.

· توظيف وتحفيز الأطر الطبية بما يضمن استقرارها داخل المغرب.

· مكافحة الفساد من خلال آليات مراقبة صارمة وربط المسؤولية بالمحاسبة.

· توسيع خدمات الصحة النفسية لتغطية مختلف الفئات الاجتماعية.

· وضع استراتيجية وطنية واضحة لإصلاح المنظومة بعيدًا عن الحلول الظرفية.

وأكد التقرير أن إصلاح المنظومة الصحية يجب أن يُعتبر أولوية وطنية قصوى، باعتبار أن الحق في الصحة هو أحد المرتكزات الأساسية لحقوق الإنسان والتنمية الشاملة.

اترك تعليقا