غيب الموت، اليوم، الروائي المصري الكبير صنع الله إبراهيم (1937–2025)، أحد أبرز رواد الواقعية النقدية في الأدب العربي، وآخر العمالقة الباقين من جيل الستينيات الأدبي المصري المثير للجدل. عُرف إبراهيم بمواقفه السياسية الثابتة، وأسلوبه الأدبي الفريد الذي مزج بين السرد الروائي والتوثيق التاريخي، فضلا عن زهده ورفضه للشهرة المادية.
وُلد صنع الله إبراهيم في القاهرة عام 1937، وانضم في شبابه إلى حركة حدتو (الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني)، إحدى أبرز التنظيمات الشيوعية السرية في مصر. تعرض للاعتقال السياسي بين عامي 1959 و1965 في معتقل الواحات، إلا أنه ظلّ يُفرّق بين ظلمه الشخصي وتقييمه الموضوعي لتجربة عبد الناصر. لم يكتفِ بالسجن كضحية، بل حوّله إلى “جامعة” أدبية، حيث قرأ بنهمٍ وأسّس لوعيٍ سياسي وأدبي ظلّ ملتزما به طوال حياته.
تميزت أعمال صنع الله إبراهيم بالجرأة والعمق، حيث مزجت بين الرواية والتاريخ، كما في رواية “بيروت بيروت” (1984) التي تناولت الحرب الأهلية اللبنانية بعينٍ عروبية ناقدة، و “وردة” (2000) التي استلهمت ثورة ظفار في عمان، و “اللجنة” (1981) التي قورنت بأعمال كافكا لغرابتها الكابوسية وسخريتها من البيروقراطية والسلطة. كما أدخل في نصوصه قصاصات صحفية حقيقية، كما في رواية “ذات”، مما جعلها سجلا تاريخيا لحقبة مصر في التسعينيات.
عاش حياةً بسيطةً في منزل متواضع بحي مصر الجديدة، ورفض الامتثال للمظاهر المادية، فلم يقتنِ سيارةً ولا هاتفا محمولا، وكأنه يطبّق بيت الشعر الذي أعجب به: “لا أشياء أملكها لتملكني”. كما رفض الجوائز الرسمية، وأعلن في 2003 رفضه لجائزة الدولة التقديرية، معتبرا أن قبولها “تناقضٌ مع موقفه من النظام”. وكان يقول:
“أنا أكتب كي أقول الحقيقة، حتى لو دفعت ثمنها”.
برحيل صنع الله إبراهيم، ينطوي فصل كامل من تاريخ الأدب العربي الحديث، ويبقى إرثه شاهدا على كاتبٍ آثر أن يكون صوتا للحقيقة لا مجرد مُزوّدا للسلطة بالتبريرات. غادرنا جسدا، لكنه ترك وراءه مكتبةً من الأعمال التي ستظلّ مقاومةً بالكلمة كما أرادها دوما. وفي زمنٍ يزداد فيه انحسار دور المثقف، يبقى سؤاله الأبدي حاضرا:
“هل يمكن للأدب أن يغير العالم؟”.