Top

جورجي أمادو: الساحر البرازيلي الذي خلد فنًا من العرق والثورة والحب

من باهيا إلى ضمير العالم: رحلة الأدب والحرية

“الذين يتملقون الأقوياء، يجب عدم الوثوق بهم وتجنبهم، إنهم مزيفون وضيقوا الأفق وينقصهم النبل في شخصياتهم”

بهذه الكلمات القوية من روايته الشهيرة تيتا من الأغريستي المعروفة عربيا بـ”زوربا البرازيلي”، يلخص جورجي أمادو فلسفته في الحياة والأدب. في الذكرى الرابعة والعشرين لرحيله (6 غشت 2001)، يظل أمادو أحد أكثر الأدباء البرازيليين تأثيرا على المستوى العالمي، حيث تُرجمت أعماله إلى 48 لغة وبيعت أكثر من 20 مليون نسخة حول العالم.

وُلد جورجي أمادو دي فاريا في 10 غشت 1912 في إيتابونا بولاية باهيا، التي كانت مركزًا لتجارة العبيد الأفارقة في البرازيل. نشأ في بوتقة ثقافية فريدة حيث امتزجت التأثيرات الأفريقية والأوروبية والهندية، وهو ما سيظهر جليًا في أدبه. تلقى تعليمه الأولي في مدرسة “أنطونيو فييرا” اليسوعية، ثم انتقل إلى ريو دي جانيرو لدراسة القانون، لكن الأدب سرعان ما خطف قلبه.

بدأ مشواره برواية بلاد الكرنفال (1931) وهو في التاسعة عشرة من عمره. لكن ثلاثيته “كاكاو” (1933)، “سويت” (1934)، و”قباطنة الرمال” (1937) هي التي أطلقت شهرته، إذ صوّرت معاناة العمال في مزارع الكاكاو وحياة المهمشين في شوارع باهيا.

انضم إلى الحزب الشيوعي عام 1932، فتعرض للاعتقال 12 مرة ونُفي إلى فرنسا وتشيكوسلوفاكيا والأرجنتين. في المنفى كتب فارس الأمل (1942)، سيرة القائد الشيوعي بريستيس، والتي أُحرقت لاحقًا علنًا بأمر من النظام العسكري.

بعد عودته عام 1952، تبدل أسلوبه من الواقعية الاشتراكية الصارمة إلى مزيج من النقد الاجتماعي والفكاهة والسحرية، فكتب دونا فلور وزوجاها (1966) التي تحولت إلى فيلم شهير عام 1976، وغابرييلا، قرنفل وقرفة (1958) التي أصبحت أيقونة الأدب البرازيلي.

ومن أبرز أعماله أيضًا:

دكان المعجزات (1969)

تيريزا باتيستا المتعبة من الحروب (1972)

تيتا من الأغريستي (1977)

حرب القديسين (1993) التي عكست صراعه مع الديكتاتورية العسكرية

نساء البن التي أبرزت التقاليد العربية في البرازيل

غابرييلا.. عندما تصبح رائحة القرنفل ثورة أدبية

في “غابرييلا”، يمزج أمادو بين الحب والسياسة والمطبخ، ليجعل من رائحة القرنفل والقرفة استعارة كبرى لثورة اجتماعية وولادة مجتمع جديد. هذه الواقعية السحرية البرازيلية جعلته مقارنًا بكبار الأدباء اللاتينيين مثل غابرييل غارسيا ماركيز، لكنه ظل محتفظًا بخصوصيته المرتبطة بالعمال والفلاحين والمهمشين.

أمادو والعرب..حكاية حب عبر المحيط

لم يغب الحضور العربي عن أعماله، إذ استلهم من مجتمع المهاجرين السوريين واللبنانيين في باهيا. وقد تُرجمت أعماله إلى العربية على يد أسماء بارزة مثل ممدوح عدوان، وأثرت في جيل الستينيات والسبعينيات العربي الذي وجد في أدبه مرآة لقضاياه عن الحرية والعدالة والمرأة.

الجوائز والتكريم: نوبل التي فُقدت

نال أمادو جوائز مرموقة، منها:

جائزة ستالين للسلام (1951)

جائزة بابلو نيرودا (1994)

جائزة لويس دي كامويس (1995) – أرفع جائزة أدبية بالبرتغالية

وسام فيلق الشرف الفرنسي (1983)

ورغم ترشحه المتكرر لجائزة نوبل، لم ينلها قط، وهو ما علّق عليه جوزيه ساراماغو (الحائز على نوبل 1998) بقوله: “إن وفاة أمادو سبب كاف للحداد الوطني في البرازيل، وإن غاب أمادو فكتبه ستبقى موجودة.”

توفي أمادو في 6 غشت 2001 بمدينة سلفادور، القلب النابض لولاية باهيا التي أحبها وخلدها في أدبه. يقف متحفه اليوم في حي بيلورينيو شاهدًا على إرثه الأدبي والإنساني، بينما تبقى رواياته مفتاحًا لفهم الروح البرازيلية.

 الكاتب الذي عاش مرتين

ظل جورجي أمادو حتى رحيله يرفض أن يُحاط بسياج التصنيفات. فمشروعه الأدبي، الذي جمع بين صرامة الواقع وسحر الخيال، ظل مرآة عاكسة لروح البرازيل بكل تناقضاتها وحيويتها. وربما لهذا بالذات رأى فيه ساراماغو “سببا كافيا للحداد الوطني”، لكن إرثه الفني سيظل نابضا ما دامت هناك قضايا إنسانية تنتظر صوتا، وما دام الأدب قادرا على أن يكون جسرا بين الواقع والممكن، بين الألم والأمل.

اترك تعليقا