Banner Post

حين تصبح السلطة شريكا في بناء الثقة..ماذا يفعل المثقف؟

حمادي سركوح

ليس المثقف ظلا للسلطة يطول ويقصر بحسب أهوائها، ولا صرخة في معارضةٍ عمياء. إنه ضمير الأمة الحي، يقف حيث يقف الحق، لا حيث تقف المصالح. تاريخيا، كان المثقف شوكة في خاصرة الاستبداد، لكن ماذا لو أصبحت السلطة نفسها أكثر التزاما بالشرعية من أولئك الذين يتغنون بها؟ ماذا لو تحوّلت السلطة إلى شريك حقيقي في بناء الثقة، ولم يعد دورها محصورا في إصدار الأوامر والقرارات، بل في الاستماع والمشاركة الفعالة في تحقيق العدالة؟

في الطانطان، حيث تُنسج ثقة جديدة بين المواطن ومؤسساته، تشهد مؤسسة العامل ـ تحت قيادة عبد الله شاطر ـ تحولا جوهريا. لم يكن هذا التغيير مجرد شعارات، بل تحولا جذريا في الممارسة. فبينما كان العمال السابقون يرتهنون لإملاءات السياسيين والمنتخبين، تاركين مبادرات المجتمع المدني تختنق في ردهات البيروقراطية، جاء العامل الجديد ليقطع مع هذه الثقافة. لم يعد قبول الملفات خاضعا للوجاهات أو المساومات، بل أصبحت المعيارية والسرعة في التنفيذ هي السمة الأبرز، ما أعاد الثقة في قدرة المؤسسات على الاستجابة للحقوق المشروعة.

لم تعد تلك البرج العاجي الذي يصدر الأوامر، بل أصبحت منصة تستمع، وتتعاطى مع الملفات بمسؤولية، وتقول “لا” لكل محاولة للالتفاف على القانون. هذا التغيير الجوهري لن يكتمل إلا بتحوّل جذري في تعامل السلطة مع المصالح الشخصية والسياسيين، فاستمرار المحسوبية يُفقد الإصلاح قيمته. حينما تصبح السلطة أداة لتمرير المصالح السياسية، عندها يبدأ فسادها. لذلك، يجب أن تظل السلطة بعيدة عن لعبة المصالح الضيقة، وفي خدمة المواطن أولا وأخيرا.

وتتجلى هذه الروح الجديدة في مواقف عملية، كموقف قائد قيادة تلمزون الذي واجه بصلابة محاولة تأسيس اتحاد للتعاونيات في البداية، لأن الأمور كانت بحاجة إلى التحقق من الوثائق وتطبيق القانون. لكنه، بعد أن أخذ الوقت الكافي للتحقق والعناية بالمسألة، وافق في النهاية على تأسيس الاتحاد بعد أن صار كل شيء في مكانه الصحيح. لم يخضع منذ البداية لأي ضغوط خارجية، بل تعامل مع الأمر بحذر واحترام تام للقانون. وهو مشهد لم يكن مألوفا في فترات سابقة، حيث كانت بعض القرارات تتأثر بحسابات سياسية أكثر من احتكامها للمساطر القانونية.

لقد عانى المجتمع المدني في الإقليم لعقود من ثقافة المراسلات المهملة، والعرائض التي تُرفض أو تُدفن في أدراج النسيان، والمبادرات التي تتبخر حبرا على ورق. كم من مشروع طموح أفشلته البيروقراطية، وكم من صوتٍ شرعي أجهضته المماطلة. لكن اليوم، مع هذه النقلة النوعية في التعاطي مع مطالب المواطنات والمواطنين، بدأت تشرق أنوار الأمل.

ولكن أيها المثقف..لا تنخدع ببريق اللحظة، ولا تغمض عينيك عن الغد. السلطة العادلة تحتاج إلى من يُذكّرها دوما بمسؤولياتها، تماما كما تحتاج السلطة المنحرفة عن القانون إلى من يُحاصرها بأسئلته. الاعتراف بخطوات السلطة الإيجابية ليس تنازلا عن النقد، بل شرطا لبناء ثقة تُبنى على الإنصاف لا على المجاملة. دعم الخطوات الإيجابية ليس عيبا، لكن العيب هو أن يتحوّل المثقف إلى شاهد زور، يُسبّح بحمد أي سلطة، أو يرفض أي تحول لمجرد أنه لم يأتِ على يديه.

دور المثقف أن يبقى العين التي لا تنام على المصلحة العامة، الصوت الذي لا يخاف إلا من ضميره، القلم الذي يكتب بمداد الحقيقة والالتزام الأخلاقي وحدهما. فالمعادلة لم ولن تتغير: الولاء الأول والأخير ليس للأشخاص، بل للمبادئ، وليس للسلطة، بل للناس. فهل يختار المثقف أن يكون حارسا للضمير الجمعي، أم شاهدا على تقاعس التاريخ؟؟

اترك تعليقا