في خطوة أثارت جدلا واسعا، أعلنت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة عن إعفاء 16 مديرا إقليميا، ونقل 7 آخرين، وفتح باب التباري لشغل 27 منصبا إقليميا. جاء هذا القرار في إطار ما وصفته الوزارة بـ”تعزيز القدرات التربوية والتدبيرية وحكامة المديريات الإقليمية”، وفقا لبلاغ رسمي. ولكن، هل هذه الإعفاءات تستند فعلا إلى معايير مهنية وتربوية؟ أم أنها تخفي خلفيات سياسية وحزبية؟ تساؤلات تطرح نفسها بقوة في ظل غياب توضيحات دقيقة من الوزارة.
الوزارة تؤكد: الإعفاءات جاءت لتعزيز الإصلاح
بحسب البلاغ الرسمي، فإن هذه الإجراءات تأتي في إطار تنفيذ القانون الإطار 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين، وبلوغ أهداف خارطة الطريق 2022-2026. وأكدت الوزارة أن هذه القرارات تمت بناء على تقييمات أداء تربوية وتدبيرية، مع التشديد على مبادئ الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة. كما أشارت إلى أن العملية تمت بالتنسيق مع الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، بهدف تعزيز أداء المديريات الإقليمية ودعمها بأطر مؤهلة لتحقيق أهداف الإصلاح.
تساؤلات مشروعة: أين التقارير التفصيلية؟
رغم هذه التبريرات، فإن القرار أثار موجة من التساؤلات داخل الأوساط التربوية والسياسية. فإذا كانت الإعفاءات تستند إلى تقييمات موضوعية، فلماذا لم يتم نشر التقارير التفصيلية التي توضح الاختلالات التي تم تسجيلها في أداء المديريات المعنية؟ ولماذا لم تزر لجان التفتيش العديد من هذه المديريات قبل اتخاذ قرار الإعفاء؟ هذه الأسئلة تبقى معلقة في ظل غياب أي وثائق رسمية تدعم قرارات الوزارة.
تصريحات المديرين المعفيين: “مغالطات وتبريرات غير مقنعة
من جهة أخرى، عبر بعض المديرين المعفيين عن استيائهم من القرار، ووصفوه بأنه غير مبرر. ففي تدوينة على حسابه الشخصي، وصف محمد أجود، المدير الإقليمي لخريبكة، بلاغ الوزارة بأنه “مليء بالمغالطات”، مشيرا إلى أن مديريتي خريبكة وخنيفرة احتلتا الصدارة في التقييمات الوطنية، ولم يسبق أن زارتهما لجان التفتيش المركزي. وتساءل أجواد: “ربما يجب البحث عن مبررات أخرى لإنهاء المهام”.
البرلمان يتدخل: هل الإعفاءات مرتبطة بحسابات سياسية؟
لم تمر هذه الإعفاءات مرور الكرام داخل البرلمان، حيث طالب فريق التقدم والاشتراكية بعقد اجتماع عاجل مع وزير التربية الوطنية لمساءلته حول الخلفيات الحقيقية لهذه القرارات. وأكد الفريق في مراسلته أن الإعفاءات شملت مديرين “مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة”، مما يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت هذه القرارات مرتبطة بـ”تصفية تركة الوزير السابق” أو بـ”حسابات سياسوية وانتخابوية”.
هل السياسة تدخلت في التعليم؟
ما يزيد من تعقيد الموقف هو أن أغلب المديرين المعفيين ينتمون إلى أحزاب غير مشاركة في الأغلبية الحكومية، فيما تم إعفاء بعض مديري أحزاب الأغلبية بعد خروج أمينهم العام بتصريحات ناقدة مؤخرا. هذه الملاحظات تدفع إلى التساؤل: هل نحن أمام “رد الصاع صاعين” في معركة سياسية داخلية؟ وهل تم استخدام الإعفاءات كأداة لتصفية حسابات حزبية؟
ضرورة الوضوح والحياد
في ظل هذه التساؤلات، يصبح من الضروري أن تقدم الوزارة إجابات واضحة ومقنعة للرأي العام. فإذا كانت الإعفاءات تستند إلى تقييمات مهنية، فمن حق المجتمع التربوي الاطلاع على التقارير التي استندت إليها الوزارة. كما أن عملية التعيين في المناصب الشاغرة يجب أن تخضع لمعايير الحياد والاستحقاق، بعيدا عن أي محاصصة حزبية أو حسابات سياسية.
الخلاصة: الإصلاح يحتاج إلى شفافية وثقة
إعفاء عدد كبير من المديرين الإقليميين دفعة واحدة، دون توضيحات دقيقة، يضعف ثقة الرأي العام في نزاهة القرارات. إذا كانت الوزارة جادة في إصلاح المنظومة التربوية، فعليها أن تتحلى بالشفافية الكاملة، وأن تقدم أدلة داعمة لقراراتها. فالإصلاح الحقيقي لا يتحقق إلا ببناء جسور الثقة بين الجهات المعنية والمجتمع، وبعيدا عن أي تأثيرات سياسية أو حزبية.
إلى ذلك، تبقى الحاجة ملحة إلى شفافية أكبر وحياد في إدارة قطاع التعليم، لضمان تحقيق الإصلاح المنشود بعيدا عن أي تأثيرات سياسية.