Top

عضو واحد ويكتمل النصاب..أزمة تدبير أم رسائل سياسية؟

حمادي سركوح

الطانطان..صباح يوم أمس الأربعاء، عند الساعة التاسعة وخمس وأربعين دقيقة، توجهنا إلى قصر البلدية، حاملين ثلاثة أسئلة جوهرية، عازمين على فك رموز الجلسة المؤجلة لدورة فبراير 2025 للمجلس الجماعي. كنا نأمل أن نمارس دورنا الصحفي في تنوير الرأي العام المحلي حول مستجدات المشهد السياسي داخل أروقة المجلس، لكننا خرجنا كما دخلنا…بلا أجوبة، سوى بعض الصور الملتقطة على عجل، ووضع سياسي يزداد تعقيدا.

أول ما استرعى انتباهنا هو حضور مفوض قضائي، بينما تأخر التحاق الأعضاء الحاضرين عن الموعد المحدد لأكثر من ساعة وعشر دقائق. ويبدو أن هذا الانتظار الطويل عكس أملا ضمنيا لدى المجلس في انعقاد الجلسة، لكنه انتهى بخيبة أمل بعدما لم يكتمل النصاب القانوني، إذ حضر خمسة عشر عضوا فقط، وكان ينقص المجلس عضو واحد لانعقاد الدورة. ليُرفع الاجتماع للمرة الثانية على التوالي، ويبقى السؤال معلقا: هل ما يحدث أزمة تدبير عادية، أم أن في الأمر حسابات سياسية خفية؟

حاولنا جاهدين انتزاع تصريحات من المعنيين، لكن جميع محاولاتنا باءت بالفشل. التزمت الأغلبية الصمت، وبدا أن المعارضة تراقب المشهد دون استعجال. لذلك، قررنا الاتصال بأحد الأعضاء المتغيبين عن الدورتين السابقتين، لعلنا نحصل على إجابة تكشف لنا بعض خبايا هذا الوضع الملتبس.

 

“ليست أزمة..بل حركة تصحيحية”

 

بالنسبة للمعارضة وبعض أعضاء الأغلبية، فإن غيابهم عن الجلسة لم يكن موقفا اعتباطيا، بل خطوة محسوبة تهدف إلى تصحيح مسار التسيير داخل المجلس، بعد أن استنفدوا جميع وسائل التنبيه والمناشدة.

في تصريحه لنا، اعتبر أحد الأعضاء المتغيبين أن غياب الأعضاء ليس إلا “تنزيلا لمقتضيات القانون التنظيمي 113.14″، و”إرسال رسائل حضارية للرئيس ولجهات أخرى معنية بمصلحة الجماعة”. مؤكدا أن ما يحدث ليس أزمة تدبير بقدر ما هو “حركة تصحيحية” لإعادة ترتيب أوراق التسيير داخل المجلس الجماعي.

ويرى المتحدث نفسه أن المجلس، منذ تشكيله، عانى من عدم الاستقرار، بسبب “التدبير الانفرادي للرئيس وتغييبه التام لدور نوابه وأعضائه”، رغم أن الأغلبية منحته فرصة للإصلاح على مدى عام، تم خلاله التصديق على عدة اتفاقيات هامة. غير أن الرئيس، حسب قوله، “لم يلتقط الرسالة، بل عاد إلى ممارساته المعهودة، حيث استحوذ على جميع المهام، وقلّص دور النواب، وسحب البساط من تحتهم”.

أكثر من ذلك، يُتهم الرئيس باستغلال منصبه لتمرير نقاط انتخابية تحت غطاء التنمية، مما زاد من حدة التوتر داخل المجلس. لهذا، قررت المعارضة ومعها بعض أعضاء الأغلبية مقاطعة الدورة العادية لشهر فبراير، كإنذار أخير قبل اتخاذ خطوات أخرى “لا يمكن الإفصاح عنها الآن”.

المتحدث شدد أيضا على أن هذه الخطوة تهدف إلى “مساعدة السلطات في الدفاع عن مصالح المدينة، ومراقبة تنفيذ المشاريع، والتصدي لأي استغلال سياسي لها”، مؤكدا أن الأولوية تبقى لحسن التدبير، وليس لفرض سلطة فردية داخل المجلس.

 

تضارب المصالح..أزمة صراع أم مخطط محكم؟

 

لكن، هل ما يجري داخل المجلس هو مجرد صراع حول منهجية التسيير، أم أن الأمر يتجاوز ذلك إلى لعبة نفوذ أبعد من أسوار البلدية؟

وفقا لمصادر قريبة من دوائر القرار المحلي، فإن الأزمة لم تكن وليدة اللحظة، بل تمت هندستها بصمت منذ مدة، في انتظار الفرصة المناسبة لتفجيرها. فجهات ذات نفوذ، اعتادت تحريك الخيوط من وراء الستار، شعرت بتضرر مصالحها جراء بعض القرارات الأخيرة للمجلس، مما دفعها إلى التأثير على مواقف بعض الأعضاء وخلق حالة من العرقلة المدروسة، التي تتخذ من الخلاف الداخلي غطاء شرعيا لها.

هذا المعطى، إن صح، يطرح تساؤلات أعمق حول مدى استقلالية القرار داخل المؤسسة الجماعية، ومن يدير خيوط اللعبة في الخفاء. فهل نحن أمام أزمة تدبير طبيعية، أم أن هناك أطرافا تعمل على إبقاء المجلس في حالة شلل، خدمة لأجندات لا علاقة لها بالصالح العام؟

بين الحاضرين والمتغيبين..أين المصلحة العامة؟

في خضم هذا الصراع، يبدو أن الحدود بين الأغلبية والمعارضة باتت ضبابية. فالتصعيد المستمر، وغياب آليات الحوار، يطرحان تساؤلات حول مصير التنمية المحلية، ومدى قدرة المجلس الجماعي على تجاوز خلافاته لخدمة مصالح ساكنة الطنطان.

وبينما تتعطل جلسات المجلس بسبب غياب عضو واحد فقط، يظل المواطن الطنطاني في موقع المتفرج، متسائلا عن الحلول الممكنة، وعن ما إذا كانت هذه التجاذبات السياسية ستؤثر على مصالحه المباشرة، وعلى المشاريع التنموية التي يتطلع إليها.

في نهاية المطاف، يبقى الرهان الأكبر على الحكمة السياسية والتدبير المشترك، بعيدا عن الحسابات الضيقة، لأن التنمية لا تنتظر، والمواطن لا تعنيه الصراعات، بقدر ما يهمه أن يرى مدينته تتقدم مثل نظيراتها في الأقاليم الجنوبية التي قطعت أشواطا مهمة في التنمية. وكما يقال، “السياسة مثل البحر، من لا يُحسن السباحة فيه قد يغرق، ومن يجيدها يركب الموج ويصل إلى بر الأمان”، لكن السؤال هنا: هل نحن أمام سياسيين يجيدون السباحة، أم أننا أمام بحر من المصالح يغرق فيه الجميع؟

نقطة بريس

اترك تعليقا