شهدت جهة كلميم وادنون خلال سنة 2024 دينامية اقتصادية ملحوظة، حيث تم تسجيل 702 مقاولة جديدة خلال الأحد عشر شهرا الأولى من العام، وفقا لبيانات المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية (OMPIC). هذه الطفرة تأتي في سياق تحولات اقتصادية تعرفها الجهة، مدفوعة بتوسع الاستثمار في عدة قطاعات، خصوصا التجارة والعقار والخدمات.
على المستوى الإقليمي، جاءت مدينة كلميم في الصدارة من حيث عدد المقاولات الجديدة، حيث تم تسجيل 386 مقاولة، متبوعة بالطانطان (224 مقاولة)، ثم سيدي إفني (92 مقاولة).
وبحسب البيانات الرسمية، تصدر قطاع التجارة المشهد بنسبة 51.63% من مجموع المقاولات الجديدة، يليه قطاع البناء والعقار (13.78%)، ثم الخدمات المتنوعة (12.58%). أما القطاعات الأخرى فجاءت بنسب متفاوتة، حيث سجل النقل (6.29%)، الفندقة والمطاعم (5.93%)، الصناعة (5.68%)، الزراعة والصيد (1.93%)، في حين كانت نسبة الأنشطة المالية (1.21%)، وتكنولوجيا المعلومات (0.97%) هي الأضعف.
وفيما يبدو هذا الرقم مؤشرا إيجابيا للنمو الاقتصادي، إلا أن تحقيقا معمقا حول هوية أصحاب هذه المقاولات كشف عن معطيات مثيرة. فبينما يظهر أن نسبة مهمة من هذه المقاولات مسيرة من قبل أشخاص ينحدرون من مدن الشمال أو شخصيات غير معروفة محليا، فإن الواقع يشير إلى أن ملكيتها الحقيقية تعود إلى رؤساء جماعات، وسياسيي من المنطقة.
هذا النمط في تسجيل الشركات يثير عدة تساؤلات، خصوصا أنه يوحي بمحاولات إخفاء الملكية الحقيقية لهذه المقاولات خلف أسماء غير معروفة محليا، أو من خلال إدراج أشخاص من خارج الجهة كمسيرين صوريين. هذه الممارسة قد تعكس استغلالا لمزايا استثمارية أو دعم موجه للمنطقة، ما يستدعي تحقيقًا معمقا حول دوافع هذه التحركات ومدى تأثيرها على الاقتصاد المحلي.
كما تُظهر البيانات أن أغلب المقاولات المسجلة حديثا تأخذ شكل شركات ذات مسؤولية محدودة بشريك وحيد، حيث تمثل 65.3%، فيما تشكل الشركات ذات المسؤولية المحدودة التقليدية 33.5%. أما الأشكال القانونية الأخرى، مثل الشركات التضامنية والشركات المجهولة الاسم، فلا تزال محدودة جدا، حيث لم تتجاوز 0.4%.
على المستوى الوطني، بلغ عدد المقاولات الجديدة المسجلة حتى نهاية نونبر 2024 ما مجموعه 86493 مقاولة، تتوزع بين 61819 مقاولة ذات صفة معنوية و24674 مقاولة ذات صفة طبيعية. وتصدرت جهة الدار البيضاء سطات القائمة بـ 27070 مقاولة جديدة، تلتها طنجة تطوان الحسيمة (12627)، ثم الرباط سلا القنيطرة (10007)، ومراكش آسفي (9741)، وفاس مكناس (5994).
أما باقي الجهات فقد سجلت أرقاما أقل، حيث بلغت 5894 مقاولة في سوس ماسة، و5131 في الشرق، و3478 في العيون الساقية الحمراء، و2445 في بني ملال خنيفرة، و1970 في درعة تافيلالت، و1434 في الداخلة وادي الذهب، وأخيرا 702 مقاولة في كلميم وادنون، ما يجعلها من أقل الجهات من حيث عدد المقاولات الجديدة.
يبقى السؤال المطروح: هل هذه الاستثمارات تأتي في سياق طبيعي لدعم التنمية المحلية، أم أنها جزء من تحركات خفية تهدف إلى الاستفادة من مزايا استثمارية أو تموقع سياسي داخل الجهة؟
ما يثير الجدل هو طريقة تسجيل هذه المقاولات وأسماء مسيريها الرسميين، الذين يبدون في كثير من الحالات مجرد واجهة لأسماء سياسية معروفة. هذا المعطى يفرض مزيدا من التدقيق والشفافية في التعامل مع الاستثمارات، لضمان عدم تحول المشاريع الاقتصادية إلى أدوات نفوذ سياسي أو قنوات غير مباشرة لتوجيه الموارد والاستفادة من الامتيازات الممنوحة للمناطق الجنوبية.
في انتظار كشف المزيد من التفاصيل حول هذه الظاهرة، تبقى كلميم وادنون وجهة استثمارية صاعدة، لكن مع حاجة ملحة لضمان الحوكمة الرشيدة والشفافية في تدفق الاستثمارات، بما يخدم المصلحة العامة بدل أن يكون وسيلة لتحقيق مكاسب سياسية ضيقة.