في قلب غرب إفريقيا، تنساب الرحلة الخضراء كما لو كانت قاربا يبحر عبر الزمن، يربط بين غانا والطوغو والبنين. ليست مجرد مواقع جغرافية، بل هي محطات حياة تروي قصصا ملهمة تُعيد تعريف العلاقة بين الإنسان والطبيعة، وتقدم دروسا في الاستدامة، الإبداع، والتعاون الإنساني.
غانا: رفاهية بيئية في أحضان الطبيعة
بينما كانت الرحلة تسير باتجاه العاصمة أكرا، قاد القدر الفريق إلى “ريبلز لودج”، المكان الذي غيّر مفهوم الإيكو-سياحة تماما. هنا، حيث الرفاهية تتناغم مع الاستدامة، يعمل المنتجع بالكامل بواسطة محطة طاقة شمسية متطورة وبطارية ضخمة تبلغ سعتها 300 كيلوواط في الساعة، أي ما يعادل عشرة أضعاف طاقة سياراتهم الكهربائية الصغيرة. هذه التكنولوجيا تمثل تقدمًا حقيقيا في مجال الطاقة المتجددة، وتحقيقا لدمج الابتكار البيئي مع الحياة اليومية.
لكن ما جعل هذه التجربة فريدة هو روح الضيافة التي قدمها الزوجان الألمانيان المتقاعدان، صاحبا المنتجع. إذ لم يكتفيا بفتح أبواب المكان للفريق، بل أتاحا لهم أيضا شحن سياراتهم الكهربائية. كانت هذه الإقامة أكثر من مجرد ليلة في منتجع، لقد كانت درسا عمليا في كيفية دمج الطاقة المتجددة مع الرفاهية والمسؤولية البيئية، مما يعكس روح التعاون بين التقدم التكنولوجي والطبيعة.
وفي الوقت نفسه، كان هناك مشروع آخر في غانا، هو شركة “SolarTaxi”، التي تمثل الجسر بين التنقل المستدام والابتكار المحلي. باستخدام السيارات والدراجات الكهربائية التي تعمل بالطاقة الشمسية، تسهم هذه الشركة في تعزيز التنقل الكهربائي، وتعد نموذجا يحتذى به في تكنولوجيا النقل المستدام.
الطوغو: الإنقاذ بأيدي “جيش الخلاص”
مع مغادرة غانا، بدأت المرحلة الأكثر تحديا في الرحلة. في إحدى الليالي الطوغولية المقمرة، بينما كان الزحام المروري خانقا، أصيبت “أنطونيا” بحمى شديدة نتيجة التهاب اللوزتين، مما جعل حالتها الصحية تتدهور بسرعة. وفي نفس الوقت، كانت البطاريات على وشك النفاد، مما ضاعف من حدة التحديات.
في لحظة يأس، قادهم البحث إلى مؤسسة “جيش الخلاص” في أكرا، حيث تحدثوا مع الحارس والقس المشرف على المكان. فورا، فتح الموقع أبوابه للفريق، ليصبح ملاذا آمنا لشحن السيارات وتركيب الألواح الشمسية. وفي كلمات القس، “إنه الله من وضعكم في طريقنا”، كان تلخيصا صادقا للروح الإنسانية التي سادت هذا اللقاء، وجعل تلك اللحظة نقطة تحول في مسار الرحلة.
البنين: التقنية في خدمة الرحلة
في كوتونو، وعلى بُعد ساعات قليلة من تجاوز هذه المحطة، اتخذ الفريق من “مرآب كوابو” مقرا لصيانة سياراتهم. هذا المرآب، الذي يُعد مركزا حديثا لتدريب الجيل الجديد من الميكانيكيين في البنين، أصبح أكثر من مجرد مكان للعمل. بفضل توصية من شريكهم الإقليمي، شركة CFAO، وجد الفريق نفسه محاطا بالترحيب والحماس من العاملين والمتدربين الذين لم يقتصروا على مشاهدة السيارات الكهربائية، بل شاركوا في صيانتها بفاعلية.
كان المكان، الذي يعمل بالطاقة الشمسية، تجسيدا حقيقيا للرؤية المستقبلية، حيث تُستخدم التقنية النظيفة لتحفيز التغيير في القارة الإفريقية. هذا التفاعل بين التقنية والإبداع كان نقطة فارقة في مسار الرحلة، مؤكدا أن التقدم لا يتعلق بالوصول إلى الهدف فقط، بل باستخدام التكنولوجيا لخدمة المجتمعات.
وجبة تتجاوز الحدود
مع نهاية يوم طويل في كوتونو، اجتمع الفريق حول مائدة مستوحاة من المأكولات الفرنسية والبنينية. العدس الأخضر الفرنسي، القادم من مدينة لو بوي أون فيليه، امتزج بالسجق المحلي ليشكل وجبة مميزة. لكن ما جعل هذه الوجبة أكثر تميزا هو دعوة الحارس المحلي على المنشأة للانضمام إلى المائدة، حيث استمتع بالوجبة لدرجة أنه طلب المزيد ثلاث مرات. كانت تلك اللحظة تذكيرا بأن الرحلة لم تكن مجرد تجربة تقنية أو سيارات، بل عن الروابط الإنسانية التي نشأت على الطريق، وبين الثقافات المختلفة.
ختام الفصل: عبور نحو الأمل
في هذه الرحلة، كانت غانا تمثل التناغم بين الرفاهية والاستدامة، والطوغو تجسد التضامن الذي يُحيي الإيمان بالإنسانية، بينما أكدت بنين أن التقدم لا يتحقق إلا عبر التقنية النظيفة. هذه التجارب لم تكن مجرد محطات جغرافية، بل كانت حجر الأساس لمستقبل مستدام، قائم على الطاقة المتجددة والنقل الكهربائي.
الرحلة ليست مجرد مسار جغرافي، بل هي تجسيد حقيقي للتعاون والإبداع الذي يحيي الأمل في عالم متوازن بين الإنسان والطبيعة، وبين التقدم والإرث الثقافي. وكل خطوة، سواء كانت تحديا أو إنجازا، تظل محفورة في ذاكرة الرحلة. ونحن الآن على أعتاب المحطة التالية: نيجيريا، حيث نواصل السعي نحو غدٍ أفضل.