Banner Post

حرية الصحافيات والصحافيين المغاربة في التعبير..اختلاف في الرؤى ودعوات إلى الإصلاح

خديجة بوفوس، صحفية مغربية

يتعرض الصحفيون والصحافيات في العالم للعديد من الضغوطات التي تحول أحيانا دون قيامهم بمهامهم بمهنية وعلى أكمل وجه وتمس بحريتهم في التعبير. بعض هذه العراقيل قد تمتد تبعاتها أيضا لتُلحِق الأضرار بالحياة الشخصية والاجتماعية لهؤلاء. ومع تنامي استخدام وسائل التواصل الحديثة في العمل الصحفي، أصبح العنف الرقمي والتضييق على حرية الصحافة وارد الحدوث وقد يلاحق الصحافيين والصحافيات في كل مكان.

اعتبر التقرير الذي أصدره مراسلون بلا حدود بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، ثالث مايو الماضي، في سبيل تقييم ظروف ممارسة النشاط الإعلامي في 180 بلدا، أن الوضع “خطير للغاية في 31 بلدا، وصعب في 42، وإشكالي في 55، في حين أنه جيد أو جيد نوعا ما في 52 بلدا.” من جانب آخر، يشير التقرير إلى أن “ظروف ممارسة العمل الصحفي مزرية في 7 بلدان من أصل 10، ومُرضية في 3 بلدان فقط من أصل 10” واعتبر أن منطقة المغرب العربي والشرق الأوسط تتموقع في مؤخرة التصنيف، باعتبارها المنطقة الأكثر خطورة على سلامة الصحفيين.

البرلمان الأوروبي ينتقد حرية التعبير والصحافة في المغرب

في مرحلة سابقة، أعلن البرلمان الأوروبي، بداية هذه السنة، قرارا صوت عليه 356 نائبا أوروبيا من أصل 430، يطالب السلطات المغربية باحترام حرية التعبير والصحافة والإفراج عن المعتقلين من الصحافيين، مع الوقف الفوري لجميع المضايقات ضد الصحافيين ومحاميهم وذويهم.

شدد هذا القرار على ضرورة احترام السلطات المغربية على احترام حرية التعبير والإعلام وتوفير المحاكمات العادلة للصحفيين المسجونين، وأخصَّ بالذكر عمر الراضي، وسليمان الريسوني، وتوفيق بوعشرين، مطالبا بالإفراج الفوري عنهم. هذا وطالب القرار الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بالتوقف عن تصدير تكنولوجيا المراقبة إلى المغرب، بما يتماشى مع لائحة الاستخدام المزدوج للاتحاد الأوروبي.

أشادت منظمة مراسلون بلا حدود بهذا القرار. إذ أشار أمينها العام كريستوف ديلوار إلى كون هذا القرار تاريخيا بعد أن جرى تنبيه أعضاء البرلمان الأوروبي إلى الترهيب والمضايقة القضائية التي يتعرض لها الصحافيون والصحافيات المغاربة منذ سنوات. وحسب تعبيره: “يضع البرلمان الأوروبي حداً لاتجاه مؤسف يتمثل في إعفاء المغرب من التعليق بشأن انتهاكات حرية الصحافة وحقوق الإنسان.”

بينما أسال هذا القرار الكثير من المداد في الصحافة الدولية والمغربية، نقلت وسائل إعلامية أن مصدرا دبلوماسيا مغربيا أكد وجود “جهات داخل البرلمان الأوروبي تملك أجندة معروفة، تعادي المغرب من دون غيره من الدول العربية والأفريقية”، مشيرا إلى وجود “حملة أوروبية مستمرة تستهدف المملكة بشكل مباشر وفردي.”

حرية التعبير والصحافة في المغرب بعيون الممارسين والممارسات

في نظر عبد اللطيف الحماموشي، صحفي وباحث مغربي ومدافع عن حقوق الإنسان، قامت السلطات المغربية بتصعيد غير مسبوق في قمعها للصحافيين والصحافيات والنشطاء في مجال حقوق الإنسان. إذ، حسب ما صرح لنا به الحماموشي، “صار الخوف يهيمن على جميع الصحفيين، بمن فيهم المقربين من السلطة أو المعارضين لها ولم يعد القمع يقتصر على الناشطين المستهدفين فقط، بل امتد إلى عائلاتهم وأصدقائهم المقربين.”

حسب ما جاء في معرض حديثه، “هناك قمع واضح لحرية التعبير والصحافة.” وقال المتحدث إن العديد من الصحافيين والناشطين يقبعون الآن في السجن بسبب كتاباتهم. “الشيء الذي أكدته الأمم المتحدة والاتحاد الأووربي والخاريجة الأمريكية،” يضيف الحماموشي.

واعتبر المتحدث أن “كونك صحفيا في المغرب يعني مواجهة متاعب لا تعد ولا تحصى كل يوم، أولها الرقابة الذاتية التي يفرضها الصحفي على نفسه من أجل حماية نفسه من الملاحقة القضائية أو الاعتقال.”

وأضاف: “الصحفيون والكتاب المستقلون عن السلطة يعيشون في حالة من الرعب. وهم خائفون من الاعتقال بتهم ملفقة، كما حدث مع توفيق بوعشرين وسليمان الريسوني وعمر الراضي. حسب مستجوبنا، يخشى الصحافيون كذلك التشهير الإعلامي الذي استهدفهم في الفترة الأخيرة من عديد من الصحف.

في نظر مستجوبنا، حذف قانون الصحافة والنشر العقوبات السالبة للحرية، “لكن المشكل أن القضاء لا يعتد به عند محاكمة صحفي معارض للسلطة، بل يلجأ إلى القانون الجنائي.” ويرى أن “المجلس الوطني للصحافة لا يدافع عن حرية الصحفيين وحقهم في الكتابة بحرية.”

من جانبها، صرحت الصحفية المغربية، هاجر الريسوني، في إطار دراسة أنجزها باحثون وباحثات لفائدة جمعية سمسم-مشاركة مواطنة حول العنف الرقمي الموجه ضد الصحافيين والصحافيات المغاربة، أنها تعرضت لحملة تشهيرية واسعة من طرف مؤسسات إعلامية، وشخصيات حقوقية ومدنية وكذا صحافيين أثناء اعتقالها وبعد خروجها من السجن واستمر هذا التضييق إلى حدود استجوابها. قالت إنها “كلما كتبت مقالا أو تدوينة انتقد فيها الوضع الحقوقي والسياسي في المغرب تنهال علي تعليقات بكلمات نابية، فضلا عن نشر مواقع إلكترونية مقالات تهاجمني.” وأضافت: “في البداية كان التشهير يؤثر على نفسيتي، وعزلت نفسي لشهور خوفا من نظرة الناس الذين يقرؤون ما ينشر عني خصوصا منهم المصادر التي اتعامل معها في عملي، لكن مع مرور الوقت اكتسبت مناعة، ولم أعد اقرأ ما يكتب عني ولا أهتم به.”

وباعتبار العنف الرقمي أحد مظاهر التضييق على حرية الصحافة والتعبير، أكدت الدراسة عينها التي صدرت عن جمعية “سمسم مشاركة مواطنة” أن 47,7 بالمئة من الصحافيين والصحافيات المغاربة الذين شملتهم الدراسة أقروا أن طبيعة عملهم الصحفي كانت وراء تعرضهم للعنف في الوسائط الإلكترونية. في حين أوضح 26 بالمئة من المستجوبين أن سبب تعرضهم للعنف الرقمي يعود إلى آرائهم السياسية والاجتماعية.

حرية الصحافة معيار للديموقراطية

خلال استجوابنا له، أحالنا عبد الناصر الكواي، صحفي مغربي، على ما قالته آمنة بوعياش، بمناسبة تخليد اليوم العالمي لحرية الصحافة هذه السنة، حيث “دعت إلى ضرورة مواصلة تعزيز احترام حرية الصحافة، والنهوض بأوضاع الصحافة والصحافيين. وبالتالي، إجراء تقييم جماعي وهادئ وجاد ورصين وموضوعي لمنظومتنا الوطنية، حتى نستطيع الجزم بوجود التضييق.”

أكد عبد الناصر في السياق ذاته أنه يتفق على وجود تراجعات، في مقابل مكاسب تم تحقيقها للجسم الصحافي في وقت سابق. وأضاف: “لكن قبل أن نتحدث عن تراجع حرية الصحافة والصحافيين، يجب أن ننظر في النماذج الدالة على هذا التراجع، لا سيما في ظل ‘الوعد الدستوري’ والزخم الحقوقي، الذي كرسه دستور 2011”

وتساءل الصحافي، بعد تأكيده على تضامنه المهني المطلق مع زملائه الصحفيين/ات، “هل يكفي أن أكون صحافيا حتى لا أحاسب أو أعاقب على أفعال مجرمة بعيدا عن ممارستي المهنية؟”

واستدرك عبد الناصر الكواي الحديث قائلا: ” إن ما أعرفه، وقد أكون مخطئا، هو أن لا وجود صحافيين مغاربة خلف القضبان بتهم تتعلق بمزاولة مهنتهم. وما أرجوه حقا، هو ألا يصدق القول ‘إنهم يتابعون بما حركته عليهم ممارسة الصحافة.'” وصرح بأنه يعرف صحافيين يمارسون دورهم في مساءلة أصحاب القرار، ونقل صوت المستضعفين، وكشف الفساد، وانتقاد ما يرونه غير صالح في السياسات العمومية، وهم بخير لم يمسسهم سوء.

يعد التضييق على الصحافيين، حسب مستجوبنا، مدانا بكل الأشكال. كما أن حرية الصحافة، حسب عبد الناصر الكواي، معيار للديمقراطية، و”متى تم التضييق عليها كان لذلك أثر مباشر على الصرح المجتمعي المنشود برمته.”

واعتبر المتحدث أن الصحافة المهنية والأخلاقية والصحافة المستقلة والحرة هي تلك التي “تستحضر أدوارها المجتمعية وتعي أهميتها في المجتمع على عدة أصعدة.” ويرى عبد الناصر الكواي أنه بفقدان هذه الصحافة، “نفقد من يثير الانتباه إلى القضايا الحقوقية، ويساهم في مساءلة أصحاب القرار عن قراراتهم وسياساتهم العمومية، ويوصل أصوات الفئات الهشة، وينخرط في تثقيف الجمهور.”

التضييق على حرية التعبير، ظاهرة كونية تخلق التوجس

تقرأ حليمة الجندي، الكاتبة والباحثة في الإعلام، التضييق على حرية التعبير باعتباره ظاهرة عامة وكونية مرتبطة بمعطيين رئيسيين هما الأزمات والتحولات الاجتماعية والفكرية التي تطبع مرحلة ما واللذان متى اجتمعا شكلا نوعا من التهديد “المُوجب” للمُواجهة بالضبط.

وجوابا عن سؤال حول أسباب هذا التضييق، ترى حليمة الجندي أن المصدر الكلاسيكي للتضييق وهو السلطة. وأشارت المتحدثة إلى أن “هناك أيضا مصدر آخر هو الجماعة أو الرأي العام مثلما هي الحال في بعض الدول الغربية التي يُوَاجِه فيها اليوم كثيرٌ من الكتاب والصحفيين والفنانين نوعا مُحْدَثا من التضييق الشعبي، الذي هو في طريقه أن يصبح مؤسّسِيا، على حرية التعبير حين لا تكون أفكار هؤلاء المُعلنة مُتسقة مع القيم والأفكار الجديدة للجماعة فيما بات يعرف بال ‘Cancel Culture’ أو ثقافة الإلغاء.” فحسب المتحدثة، “هذا أحدثُ مظاهر التضييق على حرية التعبير حول العالم وأكثرها تعقيدا لأن حرية التعبير تُهدَر باسم حرية تعبير أخرى.”

وإجابة عن سؤال آخر متعلق بتبعات هذا التضييق على الصحافيين والصحافيات، تؤمن حليمة الجندي بأن كل منع هو مجرد “حل مؤقت” وذلك، حسب تعبيرها، لأن “حظر معلومة عن فعل ما وقع، لا ينفي حدوثه فعلا. واخفاء الاعتقاد لا يعني عدم وجوده، وما بالك ونحن في زمن “التقنية” التي حررت المعلومة من قبضة سلطة المؤسسة ووضعتها في يد الفرد بكل ما يحمل هذا المعطى الجديد داخل المجتمع الإنساني من تغيرات على مستوى الفكر والوعي والممارسة.”

التضييق، حسب ما جاء في معرض حديثها، غالبا ما يخلق مناخا من التوجس، و”التوجس يتعارض مع الفكر النقدي والإبداع وأحيانا حتى المعرفة.”

يعد التضييق إذن أمرا مرفوضا بين الصحافيين والباحثين في الإعلام، على الرغم من كون المغرب يحتل مركزا متأخرا في حرية التعبير والصحافة، وعلى الرغم من كل الانتقادات التي تتوجه للمغرب بهذا الخصوص، من ضمنها ما جاء به قرار البرلمان الأوروبي، يمضي المغرب حثيثا في مسار حماية الحقوق والحريات بشكل عام وحرية الصحافة والإعلام بشكل خاص تماشيا مع الآليات الأممية.

في هذا الإطار، صرحت جميلة السيوري، رئيسة دينامية “عدالة” التي تتشكل من 18 هيئة حقوقية مغربية، لجريدة هسبريس الإلكترونية أنه “بقدر ما تقدَّمْنا في المصادقة على اتفاقيات دولية وتفاعل مع التقارير وتدارك التأخير في الاتفاقيات، إلاّ هناك تقاعسا في التفاعل مع بعض الآليات التي تهم زيارة بعض المقرّرين الأمميِّين الخاصِّين، الذين لم يسمح لهم بزيارة المغرب إلى حد الساعة،” مشيرة إلى “مقرر استقلالية القضاء، حريات التعبير والتجمع، التي تهم مجموعة حريات أساسية مازالت تعرف اليوم نقاشا كبيرا وعمليات أخذ ورَد.”

نوهت الحقوقية ذاتها ب”إصلاحات قانونية متتالية بمنظومة حقوق الإنسان” واستدركت قولها بأنها “تظل دائما تجزيئية وغير شاملة وغير مندمجة،” مشيرة إلى “غياب تام لبعض الآليات الحمائية الوطنية، مثل آليات حماية الصحافيين وبعض الفئات الاجتماعية الهشة، منتقدة تعثر قانون الجمعيات الذي يلبس جُبّة القديم.”

مصادر:

مراسلون بلا حدود

مراسلون بلا حدود

العربي الجديد

جمعية سمسممشاركة مواطنة

بلادنا 24

هسبريس

 

 

اترك تعليقا