Banner Post

المرأة العاملة والنظرة الذكورية..رحلة في معامل تصبير السردين بمدينة طانطان

حمادي سركوح

تستقطب معامل تصبير السردين التي تستغلها شركات خاصة متركزة بالمدخل الشمالي لمدينة طانطان، يدا عاملة مهمة خاصة في صفوف النساء اللواتي يبحثن عن لقمة عيش وكذا تحقيق استقلالية مالية ومساواة.

خروج المرأة بمدينة طانطان للعمل بهذه المعامل ، وما ترتب عن هذا الأمر من ظهور مجموعة من أشكال العنف المبني على النوع الاجتماعي في حق العاملات، كان له بالغ الأثر على وضعية هذه الفئة، حيث عمق من معاناتها وضاعفها، بل بلغ وقع هذا التأثير إلى الأبناء.

العاملات بمعامل تصبير السردين: إنتقال من المطبخ إلى المطبخ

تلعب المرأة العاملة دورا لا غنى عنه بمعامل تصبير السردين المتواجدة بمدينة طانطان. أمر لا تخطئه العين، كيف لا وشوارع المدينة تعرف طوابيرهن مع نسمات الصباح الأولى قبل أن يستيقظ أغلب سكان المدينة. مدير أحد المعامل في المنطقة أكد على القيمة المضافة والدور الريادي الذي تقوم به المرأة باعتبارها عصى الرحى في سلسلة الإنتاج وتحويل المادة الأولية وهي السردين إلى منتوج قابل للتصدير عالميا (أمريكا: %70 باقي دول العالم: %10 السوق المحلي: %20)، إذ تمثل 90 الى 95 فالمئة من اليد العاملة بالمعمل إلى جانب 5 بالمئة رجال. مدير المعمل أرجع السبب في ذلك إلى كون المرأة تتميز بصبر أكثر من الرجل فيما يتعلق بالأعمال اليدوية. وحتى في مراكز التسيير والإدارة، فالمرأة حاضرة: “في الإدارة، لدينا 4 رجال و16 امرأة في التسيير، منهن مهندسات دولة وتقنيات في الجودة إلى جانب مسيرات بالتجربة وبالأقدمية”، وهو الأمر الذي جعلنا نقوم بتنشيط مجموعات من العاملات وكلت إليهن مهام المراقبة والتأطير لورش العمل بناء على ما راكموه من تجارب عبر السنين داخل معمل تصبير السردين. السيدتان (نورة) و(رشيدة)، وهما في عقدهما الرابع، عملتا لمدة 20 سنة. (رشيدة) متزوجة ولها أربعة أبناء، ولجت سوق الشغل من أجل تحسين ظروفها المعيشية ومساعدة زوجها على تدبير المصروف اليومي من أجل توفير جو ملائم لأسرتها وابنائها.

في سؤال مباشر لإحدى العاملات عن كيف توازن بين الأعمال المنزلية والعمل بالورش وهل يساعدها الزوج في البيت؟ إستغربت وبدا من ملامح وجهها علامات التعجب والحيرة في البحث عن كلمات تكون أكثر إقناعا لها قبل الآخرين، مجيبة: “أحاول بأن أوفق بينهما، والحمدلله لدي بنت تقوم مقامي بالبيت في الأوقات التي أتواجد فيها هنا بالمعمل”، مكرسة، بشكل لاواعي ربما، التقسيم غير العادل للأدوار بين النساء والرجال، حتى في جيل أبنائها؛ قبل أن تضيف: “أنا هنا بالمعمل، أحس وكأنني أعمل بمطبخ بيتي وأكثر”.

تقول (نورة)، والتي تشرف على 40 عاملة و4 عمال مكلفين بالنظافة، إنها سيدة غير متزوجة فرضت عليها الظروف الخروج لسوق الشغل. هكذا، تساعدها الأجرة على تلبية وسد بعض حاجياتها. وحتى في الأوقات التي لا تملك فيها مالا، تقصد أي محل بالسوق للتبضع، وصاحبه يعلم مسبقا بأنها تعمل، وأنها ستكون قادرة على سداد ديونها.

(يطو) و(فدوى)، بدورهما، في عقدهما الخامس، تشتغلان منذ أزيد عن عشر سنوات. كباقي العاملات، تشتغل كل من (يطو) و(فدوى) من الساعة الثامنة صباحا إلى حدود الساعة السادسة مساء. كل واحدة منهما تعيل أسرة تتكون من زوج أبناء. تتكلفان في المعمل بعمليات “الݣرطاج “والتقطيع بالمقص. تعرضت السيدة (فدوى) التي تخلى عنها زوجها لحادثة شغل أقعدتها لمدة تزيد عن تسعة أشهر بدون أجر وبدون معيل. حتى التعويضات العائلية، لم تكن تستفيد منها.

من جهته، أكد مدير المعمل “هشاشة الطبقة العاملة بالموازاة مع صعوبة الميدان، ولم ينكر أن العمل بمعامل تصبير السردين لايحكمه برنامج محدد بالرغم من المحاولات المتكررة؛ والسبب راجع للمادة الأولية، أي السردين، السريعة التلف والضياع في حالة أي تأخير. الأجرة محددة بين 3000 و 3500 درهم، وهو ما يمكن العمال والعاملات من سد الحاجيات الأساسية للعيش”.

معظم العاملات يتقاسمن نفس الأوضاع ويتشاركن الظروف والدوافع ذاتها التي فرضت عليهن الخروج لسوق الشغل، وهي إما تخلي الزوج عن دوره الاقتصادي اتجاه الأسرة أو عدم قدرته على الإنفاق وتخليه عن إعالة أبنائه دون التخلي في نفس الوقت عن الفكرة الاجتماعية التقليدية في نظرته للمرأة، وأن المكان الذي يجب أن تكون فيه وتبقى هو المطبخ. والنتيجة؟ ولوج المرأة لسوق الشغل أصبح يمثل عبئا إضافيا ولم يحقق أي مساواة، على غرار ماعرفته المرأة الغربية التي وصلت لسوق الشغل باعتبار أنه سبيل لها في تحقيق استقلالية مالية بالإضافة إلى قوانين تشريعية غربية متطورة مع تسجيل نتائج إيجابية من قبيل مساواة كاملة.

الوضع الجندري للعاملات بين النص القانوني والواقع العملي

بقراءتنا لأغلب مواد مدونة الشغل لسنة 2004، نجدها تتضمن حقوقا للمرأة إلى جانب الرجل، كما أن هناك حقوقا أخرى تخص المرأة فقط، وهي 28 مادة من المجموع العام لمواد المدونة 589 مادة. من بين المواد نذكر، المادة 9 من الكتاب التمهيدي على منع جميع أنواع التمييز بين الأجراء والأجيرات، كما أولى المشرع المغربي حماية خاصة للنساء المعنفات من خلال القانون 13.103 كإطار عام، بالإضافة إلى مجموعة من النصوص المتفرقة كقانون 27.17 المتعلق بالاتجار بالبشر والذي أعطى وصف جناية لكل إستغلال جنسي ضد المرأة داخل مؤسسة عامة أو خاصة.

من جهة أخرى، وفي محاولة لفهم الإطار القانوني في بعده الواقعي والعملي الخاص بموضوع تحقيقنا، جهات مختصة وضحت لنا ما يلي: “تتوفر مدينة طانطان على وحدتين صناعيتين لتصبير السمك تشغل كل واحدة منهما أزيد من 500 عاملة. أما عن باقي الوحدات المتواجدة بجماعة الوطية، فهي تختص في إنتاج دقيق وزيت السمك، مشيرا الى أن تصبير السردين تنشط فيه بالدرجة الأولى النساء، حيث يساهمن بشكل كبير في الدخل القار لأسرهن، ويتسم هذا النشاط بطبيعة موسمية لارتباطه بالمادة الأولية (السردين)، وهو غير متوفر طيلة السنة.

في السياق ذاته، انتقلنا للمحكمة الابتدائية بطانطان، بالقسم المدني، لمعرفة العدد الحقيقي لحوادث الشغل بالسجل العام لهذه السنة 2022، فكان ما مجموعه 107 منها 7 تخص العاملات بمعامل تصبير السردين.

إضافة إلى ذلك، فقد بدا واضحا أن غالبية العاملات لا تعرفن اللجنة المحلية لخلية التكفل بالنساء والاطفال ضحايا العنف، كما يغيب عن إدراكهن وجود مفتشية للشغل، ولا يحبذن الانضواء تحت لواء أي نقابة رغم الصلاحية الكاملة لهن في ذلك. الشيء الوحيد الذي أجمعن على معرفته وعلى تعاملهن معه هو الفضاء متعدد الوظائف للمرأة لأنه يحتضن أبنائهن.

عمل المرأة بالمعمل والحاجة لعملها بالمنزل

إن خروج المرأة للعمل بالمعمل لم يعفها من مهامها المنزلية، أو ترك فراغا فيما يتعلق بتربية الأبناء، مما قد يضاعف من مسؤولياتها. وضعية جعلت بعض العاملات يتوجهن لمراكز محلية مهتمة بالنساء في إطار برامج حكومية رسمية. الفضاء متعدد الوظائف للمرأة بمدينة طانطان واحد من هذه المؤسسات الاجتماعية للقرب، يقدم خدماته لفائدة النساء في وضعية صعبة. لأجل ذلك، قمنا بزيارة المندوبية الإقليمية للتعاون الوطني في شخص السيدة المندوبة “بشرى الدياني”، التي صرحت لنا “بأن روض الاطفال والحضانة لهذا الفضاء يحتضن 27 طفل و21 طفلة، أي ما مجموعه 48 مستفيدا من أبناء وبنات العاملات بمعامل تصبير السردين؛ حيث تم تجهيز روض للاطفال تشرف عليه مربيات ومعلمات تلقين تكوينهن في مجال التربية والتكوين. يستقبل الفضاء الأطفال ابتداء من الساعة 7 صباحا إلى غاية الساعة 7 مساء وأحيانا إلى 8 مراعاة للتوقيت الخاص بالعاملات. تتراوح أعمار هولاء الأطفال مابين سنتين إلى خمس سنوات”.

بشرى الدياني أضافت في تصريحها “بأن الفضاء متعدد الوظائف للمرأة يوفر دعما نفسيا وتكوينات مهنية للنساء العاملات عبر مراكز الاستماع والمواكبة، وكذا النساء في وضعية صعبة بشكل عام. من بين الأهداف التي نسعى إليها، هناك الوقاية من العنف المبني على النوع الاجتماعي وحالات الإقصاء التي تتعرض لها المرأة والتي تتخد عدة أشكال. في حالات كثيرة، يشتغل الزوج بدوام موسمي وبدون دخل قار أو لايعمل أصلا، فيقوم بتعنيفها بالاستيلاء على مدخراتها وأموالها بالرغم من أنها تتكفل بمصاريف البيت المالية. من أصل 166 حالة سنة 2021 عرفها المركز، هناك 11 حالة خاصة لرجال قدموا ملفاتهم لأنهم لم يستطيعوا الإنفاق وإعالة الأسرة، أما باقي الحالات، فهي لنساء تعرضن للتحرش أو التعنيف من طرف الزوج للتحكم في راتبها”.

معطى آخر وبلغة الأرقام يقدمه لنا مدير الفضاء المتعدد الوظائف للمرأة “سعيد كربوب”، وهي إحصائيات لسنة 2022 قد تعكس إلى حد ما ماتعيشه المرأة من تعنيف. مجموع الحالات بمركزي الاستماع “الحي الجديد” و”المرأة التقليدية” هو 63 حالة 28 منها مشاكل أسرية 13 حالة عنف زوجي، 10 حالات خاصة بالاهمال والنفقة و05 حالات استشارة، وقد سجلت باقي الحالات الثلاثين من العاملات بمعامل تصبير السردين 12 حالة تتعلق بالعمل لوقت يتجاوز المدة المحددة للعمل دون التعويض عن ذلك، 08 حالات طرد تعسفي، و10 حالات خاصة بالعمل الشاق وسوء المعاملة وأخيرا 05 حالات لرجال طردو تعسفيا.

من جهتها، فقد سجلت اللجنة المحلية للتكفل بالنساء والأطفال ضحايا العنف لدى المحكمة الإبتدائية بطانطان خلال سنة 2022 ما مجموعه 198 حالة عنف ضد النساء من بينها 21 حالة في صفوف العاملات والمستخدمات تتوزع بين عنف ضد الزوجة أو تبادل السب والشتم وسوء المعاشرة الزوجية والتهديد بواسطة السلاح والضرب والتحرش. والملاحظ في هذه القضايا والملفات أن العديد منها كان مآله الحفظ لأن المشتكيات يتنازلن حفاظا على الروابط الأسرية. يرجع المتتبعون ذلك إلى عدة أسباب من بينها العادات والتقاليد، ثم الخوف الذي يتملك العاملات أو غياب الدور الحقيقي والذي يجب أن تقوم به جمعيات المجتمع المدني من أجل المؤازرة والمواكبة وتشجيع العاملات قصد اللجوء للجنة المحلية مع العلم أن المحاضر تبقى سرية، بالرغم أن الأرقام هنا لاتعكس واقع الأمر من عنف ممارس على العاملات ومن استغلال واستيلاب إذ تقوم خلية التكفل بالنساء باجتماعات دورية مع باقي الشركاء كل 3 أشهر وهو ماتعرفه أيضا جل محاكم المملكة.

عاملات تصبير السردين: وضع اقتصادي لا يغير من وضعهن الاجتماعي

على الرغم من نجاح المرأة في دخول مجال العمل والإنتاج، إلا أنها لازالت تتعرض للاستغلال المادي كما صرح بذلك أحد موظفي المؤسسات البنكية حين قال “بأن بعض العاملات تأتي مصحوبة بزوجها أو ابنها مستغلين في ذلك عدم وعيها وجهلها. هذا الأخير يلعب دورا كبيراً في تأزيم هذا الواقع، كما أن ليس هناك وقت محدد لتقاضيهن لأجرتهن، وفي أغلب الأحيان يتقاضينها متأخرة.”

كما أن إشكالا آخر تتعرض له النساء في سوق العمل يتعلق بعدم قدرتهن على استغلال مداخيلهن باستقلالية، بسبب تدخل الزوج أو الإبن.

إلى ذلك، يفاقم هذا الميز عليها عبء الوسط الاجتماعي من أمية وهشاشة وخوفها من انهيار الاستقرار العائلي بسبب العادات والتقاليد، مكرسا الوضع في لعبها دورين تقوم بهما في الوقت نفسه.

في السياق ذاته، لا يقتصر العنف ضد المرأة على المحيط العائلي، فغالبا ما تتعرض للعنف في سوق العمل كتشغيلها لأوقات طويلة وفي أعمال شاقة مقابل أجر زهيد.

بناء على هذا، يبدو أن الإشكال اجتماعي بالضرورة، فتغيير العقليات مسألة شائكة تستوجب أساسا الاستثمار في تعليم الناشئة على احترام حقوق المرأة واعتبارها متساوية مع الرجل.

عرض التعليقات (2)