Banner Post

الأحكام المسبقة وهوس الحقيقة الأخلاقية المطلقة

نقطة الأسبوع: 12

صعبة هي الكتابة حول المواضيع الخلافية داخل المجتمع، خاصة منها تلك التي تتوسم بخيط أخلاقي رفيع، لأن مجتمعاتنا لم تتعود بعد على ثقافة التعدد وقبول الآخر ، ثقافة قوامها التسامح وعدم الانغلاق على الذات، كالكأس المفتوح لكل شيء من أعلى ومغلق لكل شيء من الأسفل.

فمؤخرا طفى للسطح مجددا موضوع أخلاقي على شاكلة موضوع من مع الشيخ ومن ضد الشيخة، والذي سبق لموقع “نقطة بريس” أن تناوله في إحدى نقطه الأسبوعية عدد: 8 . ويتعلق الأمر هذا الأسبوع بمنع تلميذة من ولوج فضاء مؤسستها التعليمية بحجة لباسها غير المحتشم، مما أثار معه جدلا واسعا بين تيارات المجتمع المختلفة.

وكالعادة موقع “نقطة بريس” لايتطلع على الأحداث التي يعرفها مجتمعنا على أنها مشاكل وعقبات بل كل مشكلة يحاول قراءتها وتحليلها بعيدا عن التخندقات الايديولوجية أو الثقافية، فأسمحوا لنا برفع النقاش لمستوى عال والابتعاد به من الانحياز المعرفي والأحكام المسبقة إلى التأصيل المؤسساتي، فنحن نعيش ضمن دولة بها مؤسسات، وهذه الأخيرة تحكمها قوانين، فلو احتكمنا لما ينظم هذه المؤسسات من قوانين وتنظيمات، فيكفي أن نطرح سؤال، هل تحدد وزارة التعليم شكل محدد أو لباس رسمي لولوج المؤسسات التعليمية؟ وهل تمنع نوع معين من اللباس؟ وإن كان الجواب بنعم..! فماهي حدود هذا المنع؟ أو ماهي الحدود الدنيا للباس المقبول؟ الجواب وبكل بساطة، باعتبار أن اغلبيتنا مر من مؤسسات التعليم، لا توجد ضوابط محددة، ولكن ما يمكن أن نتعثر به أحيانا هي سلطة تقديرية للكادر التربوي والاداري عبر قوانين داخلية للمؤسسات التعليمية التي تعتبر هذا النمط من اللباس مقبول أو غير مقبول! وهي في نظرنا فوضى يجب أن يفتح حولها النقاش وأن تحسم من خلال تشريعات وتنظيمات ذات الصلة.

وفي سياق آخر، لابد من التأكيد على أن المسائل الأخلاقية هي نسبية ولا تتمتع بأية اطلاقية، خاصة وأن الثقافة التي تربى عليها كل واحد منا لم تشرح له كيف يكون إنسانا حقيقيا، نعم يمكن أن تكون قد منحته كيف يكون مهندسا او دكتورا أو مدير شركة إلا أنها لم تعطيه الحرية في اكتشاف نفسه بنفسه، فما هو غير أخلاقي لدى أسرة أو فرد ما قد يكون أخلاقي لدى أخرى أو آخرين، فمثلا نجد لباس البرقع الأفغاني قد يكون لدى بعض الأسر مسألة أخلاقية بل فريضة على الأنثى، في حين قد يكون مجرد لباس الخمار أو ما شابهه ووفق الموضة بزي يمزج بين هذا وذاك يكفي لدى آخرين، أو قد تكون أنماط أخرى من اللباس تكفي، فالمسألة لا تعود كونها مسألة ثقافية اجتماعية أكثر منها أخلاقية، أما فيما يتعلق بلباس الأنثى (تلميذة مدرسية في حالتنا) لأنه يظهر عورتها وما يترتب عن ذلك…! والرفض القاطع لذلك وتوجيه سهام الاتهام لطريقة اللباس، فلابد لنا من أن نطرح سؤال مهم هل المشكل في اللباس؟ أم المشكل في التأويل وفي الفكرة التي تسكن العقل الذكوري العربي الذي لا ينظر للمرأة إلا من منظار الجنس.؟!

هي في الحقيقة أسئلة كبرى، تتطلب منا مناقشتها بهدوء بعيدا عن كل أشكال التحيز والتعصب الأعمى وبعيدا كذلك عن الآراء المستعارة ووجهات النظر الزائفة، نقاش بافكار ناضجة وآراء متوازنة قادر على صنع إنسان رجل أو إمرأة ينظر إليه من منطلق فعله وليس من منطلق مظهره، فنحن غارقون في المظاهر، وذلك ما يجعل ما نتشبت به ونؤمن به من أخلاق وقيم تاريخية ودينية تضيع بين رؤى سطحية، فحين نضع القوانين في مكانها الصحيح وطاقتنا الجنسية في مكانها الأمثل والدين في مكانه السليم والسعادة في مكانها الجميل لن تضيع الأهداف العميقة التي وجدت من أجلها تلك الأخلاق والقيم.

اترك تعليقا