Banner Post

عيد ميلاد معلق بموت الرغبة في الحياة

نقطة الأسبوع: 3

كم مرة صادفت صرصارا فلاذ بالفرار خوفا منك واصرارا منه في سبيل البقاء، كم كنت تخاف من الظلام قبل أن تستوعب العلاقة بين الضوء والظلام، إنها غريزة البقاء، وكم كنت ولازلت تخاف من المرتفعات، أو لديك تخوف (فوبيا) من أمور مختلفة، تقع فعلا ولايصيبك منها إلا الزيادة في الادرينالين والخوف، إنها غريزة البقاء، إننا نخاف جميعا من الموت ونحب هذه الحياة، بل ونستثمر فيها من أجل حياة أخرى موعودة بعد الموت الحتمي، إنها ببساطة غريزة البقاء، إنها السبب الرئيسي لاستمرار البشر في الاستيقاظ كل صباح للبحث عن عمل أو الذهاب إليه، إنها القوة الكبرى التي تحافظ على توازننا النفسي والاجتماعي.

لكن ماذا لو اختلت موازين هذه القوة؟ سؤال يجعلنا نطرحه حول أسباب ضعف هذه الغريزة لدى بعض البشر، حينما يضعون حدا لحياتهم بإرادتهم المنفردة فيما يعرف بفعل “الانتحار” إنه سؤال نثيره اليوم بشكل متكرر في سياق متابعة الرأي العام الوطني لإقدام شاب مغربي في ريعان الشباب، قبل يومين من ذكرى حلول ميلاده العشرين، على الانتحار أمام شاشة كاميرا هاتفه في بث مباشر على صفحته بالفيسبوك، بعد أن سرد وقائع أحداث تعنيفه –بحسب روايته- بسوق السمك بمنطقة لهراويين بالدار البيضاء، والجواب عن هذا السؤال المركب المعقد ليس بالجديد، لأن ليس هناك بالطبع رغبة تدفع الإنسان للموت، ولكن الانتحار سببه هو عدم وجود رغبة أيضا في الحياة، وقد سال الكثير من المداد وكتبت مئات الأبحاث لتجيب عن هذا السؤال، وبمقاربات مختلفة، إلا أننا، في سياق الواقعة التي بين أيدينا، نورد تفسيرا شكل ثورة في المحاولات المتعددة للإجابة عن فعل وظاهرة معقدة ك ‘الانتحار”، وهو التفسير الذي يبتعد من المقاربة النفسية ليتحدث عن المقاربة الاجتماعية ويصنفه كرد فعل متطرف من قبل الشخص الذي يعاني من الفوضى والشعور بالانفصال عن المجتمع والشعور بعدم الانتماء الناتج عن التماسك الاجتماعي الضعيف، وتحدث الفوضى الدافعة إلى الانتحار خلال فترات الاضطرابات الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية الخطيرة والتي تؤدي إلى تغييرات سريعة ومتطرفة في المجتمع والحياة اليومية وفي مثل هذه الظروف قد يشعر الشخص بالارتباك والانفصال لدرجة أنه يختار الانتحار.إنه بقدر ما، يشكل إقدام شاب الهراويين على الانتحار ووضع حد لحياته، قصة درامية تعيشها عائلته وأقاربه ومعارفه، بل قد يتأثر بها كل من تابع الفيديو وشاهده، فإنه يشكل كذلك مؤشر على وضع اجتماعي واقتصادي يتشكل في سياق أزمة اقتصادية تلقي بظلالها على هذا العالم، ونحن جزء لايتجزء منه، أزمة تتطلب تماسكا اجتماعيا تسهر على ضبطه وحمايته مؤسسات الدولة التي يتنامى الحديث اليوم على ضرورة أن تكون دولة اجتماعية في شبه إعلان عن إفلاس النيوليبرالية.

اترك تعليقا