يصادف اليوم الذكرى 47 لرحيل الشاعر والمسرحي المصري نجيب سرور 1932-1978، الذي رحل عن 46 عاما فقط لكنه خلف إرثا أدبيا هائلا يشهد على موهبة متعددة الأبعاد وعبقرية نادرة.

وُلد محمد نجيب محمد هجرس في 1 يونيو 1932 بقرية إخطاب في مركز أجا بمحافظة الدقهلية، في بيئة ريفية شهدت تناقضات طبقية كبيرة، زرعت فيه منذ الصغر شعورا بالرفض تجاه الظلم والاضطهاد. التحق بكلية الحقوق لكنه تركها قبل التخرج، ليلتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية، حيث تخرج عام 1956. وقد شكلت حادثة مشاهدة والده يُعاقب على يد عمدة القرية نقطة تحول مهمة في حياته، مستلهما منها لاحقا قصيدته الشهيرة “الحذاء”.
سافر سرور في بعثة حكومية إلى الاتحاد السوفياتي لدراسة الإخراج المسرحي عام 1958، وهناك أعلن ميوله للماركسية، ما سبب له مشاكل مع السفارة وزملائه المبتعثين، فسُحبت منه المنحة الدراسية والجنسية المصرية. اضطر للهروب إلى المجر حيث عمل في الإذاعة العربية، لكنه رفض مهاجمة وطنه، وطالب بالعودة إلى مصر، وبفضل تدخل شخصي من الرئيس جمال عبد الناصر عاد إلى بلده عام 1964.
تميز سرور بإبداعات متعددة، فإلى جانب كونه شاعرا متميزا، أحدث ثورة في المسرح الشعري، حيث قدم أعمالا مثل “ياسين وبهية” التي تجسد مأساة الفلاح المصري، و”آه يا ليل يا قمر” التي تناولت نضال الشعب ضد الاستعمار وتنبأت بنكسة 1967 قبل حدوثها، و”قولوا لعين الشمس” التي عكست أزمة المثقف المصري بعد النكسة، فضلا عن مسرحية “الذباب الأزرق” الجريئة التي تناولت مجازر أيلول الأسود ضد الفلسطينيين، وأدت إلى منعها وتدخل المخابرات الأردنية.

أما دواوينه الشعرية فقد اتسمت بالتمرد والجرأة، مثل “التراجيديا الإنسانية” 1967، و”لزوم ما يلزم” 1975 التي كتبها في المجر، و”الأميات” التي صاغها بين 1969 و1974 كصرخة هجائية لاذعة وصرخة احتجاج على الواقع المرير، و”بروتوكولات حكماء ريش” 1978 التي هجت النخبة الثقافية، بالإضافة إلى “الطوفان الكبير” و”فارس آخر زمن” اللذين كتبهما عام 1978 ولم ينشرا إلا لاحقا.
كما امتلك سرور حسا نقديا رفيعا، فأنجز دراسات مثل “رحلة في ثلاثية نجيب محفوظ” التي نشرت فصولا منها في المجلة اللبنانية “الثقافة الوطنية”، وكتب العديد من المقالات النقدية في دوريات أدبية مختلفة.
عانى سرور بسبب مواقفه الجريئة، فاعتقل عام 1964 وعُذب على يد مخابرات صلاح نصر، وواجه حظر نشر ومصادرة أعماله، إلى جانب اتهامه بالجنون الذي دفعه إلى إدخاله مستشفى العباسية للأمراض العقلية أكثر من مرة. وقد توفي هناك في 24 أكتوبر 1978، في نهاية مأساوية، وسط جدل حول طبيعة مرضه بين من رأوا أنه اضطراب نفسي حقيقي ومن رأوا أنه احتجاج على الجنون المحيط به.
ورغم رحيله الجسدي، بقي نجيب سرور حيا في ضمير الأمة، شاعرا لم ينحنِ، وعقلا لم يستسلم، وشاهدا على زمن التمرد بالإبداع، ومنحازا للفلاحين والبسطاء والمهمشين حتى آخر لحظة من حياته، تاركا إرثا ثقافيا خالدا.
