Top

60% من النساء في القرى المغربية لا يعرفن حقوقهن القانونية

بقلم: نعيمة تشيشي

60% من النساء في القرى المغربية لا يعرفن حقوقهن القانونية.

رقم صادم، ليس فقط لأنه يكشف هشاشة الوعي القانوني لدى جزء كبير من المواطنات المغربيات، بل لأنه يفضح أيضا اختلالا بنيويا في مقاربة الدولة لقضايا المساواة. فبعد عقدين من الإصلاحات القانونية الكبرى، وعلى رأسها مدونة الأسرة لسنة 2004، لا تزال شريحة واسعة من النساء، خاصة في العالم القروي، محرومات من الولوج إلى المعرفة القانونية الأساسية التي تضمن لهن الكرامة والحماية والعدالة.

أين يكمن الخلل؟

لا يكفي أن تصدر القوانين وتنشر في الجريدة الرسمية؛ فالمجتمعات لا تتغير بنصوص مكتوبة فقط، بل بالوعي الجماعي، بالمعرفة، وبسهولة الوصول إلى المعلومة. والواقع أن النساء في الوسط القروي لا يقرأن الجريدة الرسمية، ولا يتابعن جلسات البرلمان، بل يعتمدن في الغالب على الراديو، والتلفزة، وأحيانا على شائعات محلية أو تقاليد بالية.هذا يعني أن القوانين، مهما كانت تقدمية، تبقى عديمة الفعالية إذا لم تخرج من رفوف المؤسسات، وتدخل البيوت.

في هذا السياق، يصبح سؤال الإعلام ضروريا، بل حاسما أين الإعلام من كل هذا؟

فرغم التراكم التشريعي الذي حققته المملكة، من مدونة الأسرة إلى قانون مناهضة العنف، لا يزال الإعلام المغربي يظل على حاله ، أسير مقاربات تقليدية تكرس السطحية وتهمل العمق. برامج نمطية، روبورتاجات موسمية، وقضايا جوهرية تختزل في مناسبات عالمية لا تمس وجدان النساء المغربيات اليومي.

المشكلة لا تتوقف عند الشكل، بل تمتد إلى المضمون. فالكثير من الصحافيين والمعدين يفتقرون إلى تكوين حقوقي يسمح لهم بتناول قضايا المساواة بمهنية ومسؤولية. والنتيجة هي معالجة إعلامية تختزل النساء إما في دور الضحية، أو في صورة الزينة، أو في حكاية متفرقة لا تتجاوز مدة التقرير المصور.

وفي خلفية هذا الأداء الباهت، تتسلل الرقابة الذاتية والخوف من الاصطدام بالحساسيات المجتمعية تجاه بعض المواضيع مثل تزويج القاصرات، أو السلطة الذكورية داخل الأسرة، غالبا ما تعامل كـ”خط أحمر” لا يناقش بجرأة، بل يدار بلغة مائعة.

الأكثر إشكالية هو تموضع الإعلام كمجرد منصة ترويجية للمكتسبات، عوض أن يكون سلطة مساءلة ومرآة للنقائص. فعندما يختزل دور الإعلام في سرد ما تم، لا ما لم يتم، نفقد واحدة من أقوى أدوات التغيير الاجتماعي الممكنة.

غياب التكوين الحقوقي لدى الصحافيين

وفي تصريح لأحد الصحفيين في إحدى القنوات، قال:

“الإعلام المغربي يعاني من تقاعس حقيقي في معالجة قضايا النساء بعمق ومسؤولية. هناك خشية من الدخول في مواضيع حساسة خوفا من فقدان الإعلانات أو استثارة ردود فعل مجتمعية قوية. كثير من المعدين والصحافيين لا يمتلكون التكوين القانوني اللازم لفهم تعقيدات القوانين المرتبطة بالنساء، لذا تظل البرامج سطحية وتعالج الموضوعات بشكل موسمي فقط، مما يجعلنا بعيدين عن تحقيق التغيير الاجتماعي المطلوب.”

الكثير من العاملين في الإعلام، سواء العمومي أو الخاص، يفتقرون إلى تكوين حقوقي واضح يمكنهم من معالجة قضايا المساواة بلغة قانونية دقيقة، وبمقاربة إنسانية عميقة. وفي غياب هذا الوعي، تؤطر المواضيع المتعلقة بالمساواة إما بطريقة نمطية، أو كحصص موسمية مرتبطة باليوم العالمي للمرأة أو مناسبات مماثلة، مما يفقدها بعدها التوعوي المستمر وقدرتها على التأثير في الرأي العام.

وبسبب الرقابة الذاتية أحيانا، أو خوفا من الاصطدام بجمهور محافظ، تتفادى بعض القنوات العمومية فتح نقاش جريء حول المساواة. فتفادى القضايا المحرجة، مثل العلاقات الزوجية غير المتكافئة، أو السيطرة الذكورية على الإرث والقرارات العائلية، يجعل البرامج الإعلامية تدور في حلقة مفرغة من التكرار والسطحية، دون أن تلامس التحولات الاجتماعية التي تشهدها البلاد، أو تطلعات شريحة واسعة من النساء.

الإعلام، أيضا، لا يستثمر بما يكفي في تجارب المجتمع المدني أو شهادات نساء يعشن انتهاكات فعلية. كما أن الاستعانة بخبراء قانونيين أو سوسيولوجيين لشرح القوانين الجديدة بلغة مبسطة أمر نادر نسبيا، رغم أهميته في رفع الوعي الشعبي. هذا الضعف في الانفتاح على الفاعلين الميدانيين يحرم الإعلام من أدوات أساسية تجعله أكثر مصداقية وفعالية في نقل الواقع وتحفيز التغيير.

الإعلام القانوني: ما الذي يجب أن يكون؟

في تصريح لإحدى الناشطات الحقوقيات، تقول:

“الإعلام الذي نحتاجه اليوم ليس إعلاما نخبويا محصورا في برامج مسائية تتحدث بلغة قانونية جامدة، بل إعلاما ميدانيا تفاعليا يخاطب النساء في أدوارهن وبلغتهن، وبمفرداتهن اليومية البسيطة. إعلام يقرب المفاهيم القانونية من واقعهن المعاش، ويشرح لهن حقهن في النفقة أو التطليق أو الحضانة دون أن يغرقهن في أرقام الفصول ونصوص المواد. إعلام يقول لهن بوضوح إن الزواج دون رضاهن باطل، وإن تعرضهن للعنف يستوجب الحماية، لا الصمت.”

هذا الإعلام لا يكتفي بنقل النصوص، بل يفككها ويعيد إنتاجها في شكل قصص حية، ومحتوى مرئي ومسموع بدارجة أو أمازيغية أو حسانية، بحسب السياق الثقافي للمنطقة. هو إعلام ينزل إلى الميدان، ينجز تحقيقات من عمق القرى حول العراقيل التي تواجه النساء في تفعيل حقوقهن، ويشرك هؤلاء النساء أنفسهن في صناعة الخطاب والمحتوى، حتى يكون نابعا من تجربتهن، لا مفروضا عليهن من فوق.

إنه إعلام يوظف الوسائط الحديثة، من واتساب إلى تيك توك، مرورا بالإذاعات الجهوية والقوافل التوعوية، بدل أن يظل حبيس القنوات الكلاسيكية التي لم تعد تجذب اهتمام من هن في أمس الحاجة إلى المعرفة القانونية.

“تم إنتاج هذا المحتوى في إطار برنامج أجيال المساواة بشراكة مع  Expertise France.”

اترك تعليقا