تزامنًا مع فوز الكاتب المجري لازلو كراسناهوركاي بجائزة نوبل للآداب لعام 2025، وجّه الروائي الليبي المرشَّح الدائم للجائزة، إبراهيم الكوني، بيان شكر خاصًّا لمؤيّديه، قدّم فيه رؤية نقديّة عميقة لعالم الجوائز الأدبية، مؤكّدًا أن تقدير القرّاء والمحبّين هو الجائزة الحقيقية، لأنها منزّهة عن خبث الأيديولوجيا ولوثة السياسة.

إبراهيم، الذي ظلّ على مدى ستة عقود صوت الصحراء وضميرها الإنساني، يقدّم في هذا النص رؤية فلسفية تمزج بين التواضع الإبداعي والنزاهة الجمالية، وبين الاعتزاز بالهوية الإنسانية المنفتحة على البعد الكوني.
وفي ما يلي نصّ «بيان امتنان في حقّ حُسن الظنّ» كما نشره الكاتب على صفحته الرسمية:
” بيان امتنان في حقِّ حُسن الظنّ
بالأمس فاجأتني الشبكة الدولية بحملة إعلاميّة، هي أشبه بالمعزوفة السيمفونيّة، في حقّ نصٍّ ظننتُه مغتربًا عن الواقع الثقافي الحداثي، فإذا بلفيف الأخيار يبرهن لي على سوء ظنّي، في تجربة ملحميّة تتغنّى بالقيمة في هذا النصّ، في ظلّ حلول موسم الرهان السنوي على الفوز بجوائز نوبل إجمالًا، فرع الآداب تحديدًا، التي احتكرت أجناس الجدل في كل مرة، تسفيهًا للنزعة السارية المحكومة بالمثل القائل: «عن الذائقة الجمالية لا يختلفون»، فإذا بسَدَنة الجائزة يتّفقون في كل الفروع، ولكنّهم أبوا إلّا أن يدمنوا الخلاف في هذا الفرع بالذّات، ربّما ليبرهنوا على إمكانية التوافق في كل أمر باستثناء ترجمان الجمال الشقيّ: الأدب!
ربّما تمويهًا من محفل الدهاة لحقيقة الصراع المخفي وراء قناع الموقف من الجمال، لطبيعته الأخلاقية المستعارة من المقياس المعتمد في فلسفة الجائزة، التي لم تعد معنيّة بالقيمة في النصّ الأدبي، ولكنّها صارت معنيّة بالهوية في الشخص، التي تخضع للانتماء الأيديولوجي أو الموقف السياسي، أو حتّى الولاء العِرقي، بل ولحسابات أخرى لم تعُد تُخفَى على أحد!
فالمعروف في تقييم أية تجربة إبداعيّة هو تحكيم العمل، فإن لم يفلح العمل في إقناع المحفل، فلا مفرّ من الاحتكام إلى النزاهة، ولكنّ النزاهة طرف مهزوم دوماً أمام سلطة الحظّ، الحظّ المشفوع دوماً بمؤهّلات منتدبة من خارج السياق!
كنتُ معتكفًا لقراءة مجلّد ديكارت «الدليل على وجود الله»، عندما اقتحمت حملة الأخيار خلوتي بترجمانٍ هي مريم، التي قدّمت لي بيانًا مختزلًا عن الفحوى، كعادتها، فلم أملك إلّا أن أستشعر الشفقة على هؤلاء النزهاء بموقفهم النبيل من نصّي المتواضع، لأكتشف أنهم هم، لا سواهم، في الواقع، جائزتي الحقيقيّة، لأنها منزّهة عن خبث الأيديولوجيا، وبريئة من لوثة السياسة، ولا تعترف بأي انتماء عِرقي أو ديني أو نفعي.
إنهم يتنفّسون الحماس انتصارًا لثروة يتغنّى بها النصّ على مساحة تزيد على التسعين مؤلّفًا، على مدى ستين عامًا، تُوّجت بعشرات الجوائز الأدبية الدولية والعربية، وترجمت إلى لغات العالم، لا أملاً في نفع ولا طلبًا لسلطان، ولكن أداءً لما عاهدتُ الله عليه منذ الطفولة: إنصاف وطن الأنبياء – الصحراء المغتربة روحًا وحرفًا، التي لا يرى فيها عالم اليوم سوى مستودعٍ للطاقة والثروات، متغافلًا عن حقيقتها كمسقط رأس التكوين والنبوءات، ومهد الحضارات المنسية.
وما يتكتّم عليه هذا الفضاء من وجودٍ دراميٍّ ميثولوجيٍّ يُغتال اليوم في صمتٍ مأساوي، تُمارس فيه الإبادة الثقافية ضدّ مكوّنَيْه الأمازيغي والعربي.
وأحسب أن حملة فرساننا البطولية لن يتردّد رموزها في أن يشاركوني ابتسامة ذات معنى عندما يعلمون أن السيد كراسناهوركاي، الفائز بالجائزة هذا العام، كان زميلي في القائمة القصيرة لجائزة «المان بوكر الدولية» عام 2015 في لندن.
ويطيب لي أن أهنّئه صادقًا، يقينًا منّي بأن الجائزة التي استنزلتموها أنتم بحملتكم الباسلة هي الأقوى والأبقى، لأنها شهادة على تفوّق البراءة على سلطان الباطل، فـ«حسن الظنّ» في النهاية موقفٌ أخلاقيّ، والقيمة فيه وسام تشريف، أمّا الجائزة فليست سوى وثيقة تعريف، في نصٍّ لم يعد، باعترافكم، في حاجة إلى شهادة تعريف! ”

