في الأقاليم الجنوبية للمملكة، برزت الصحفيات بقوة في السنوات الأخيرة، سواء في مقاعد الدراسة أو في الميدان، حيث يشهد لهنّ بالكفاءة والتفوق الأكاديمي والميداني. غير أن هذا الحضور اللافت يقابله غياب شبه كامل عن مواقع صنع القرار داخل المؤسسات الإعلامية. هذا التحقيق يحاول استجلاء ملامح هذه المفارقة.
جهة العيون الساقية الحمراء رائدات يصنعن النبض الإعلامي للصحراء
الدكتورة سلم لمباركي صوتٌ رائد على شاشة الصحراء
في سنة 2004، وقفت سلم لمباركي أمام لجنة اختبار لتقرأ نصا إخباريا بعفوية، فكانت تلك اللحظة بداية مسار سيجعل منها أول وجه يطل على المشاهدين عبر قناة العيون مع انطلاقتها. لم تكن تملك سوى شغفها الطفولي بمتابعة الأخبار وطلاقة إلقاء غير مفسَّرة، لكن ذلك الشغف تحوّل بسرعة إلى مهنة ورسالة.
التجربة لم تكن سهلة، المجتمع المحافظ لم يكن مهيأً بعد لظهور النساء على الشاشة، فتعرضت لانتقادات سطحية طالت مظهرها أكثر مما طالت مهنيتها. غير أن دعم والدها الراحل شكّل درعها الواقي، فيما عزز التدريب الذي خضعت له رفقة المخرج الراحل جواد مولين ثقتها بنفسها ومهارتها. لم تكتفِ بتقديم النشرات، إنما اقتحمت التحرير والميدان والمونتاج، مثبتةً أن الصحافة مسؤولية جماعية لا تُختزل في وجه على الشاشة.
أحد المواقف التي رسخت في مسيرتها وقع سنة 2006، حين توجهت إلى “ݣلتة زمور”، منطقة ملغّمة تشكل خطرا دائما. رافقها كاميرامان ودليل عسكري، وأُنجزت التغطية وسط تحذيرات متواصلة. بعد أسبوع واحد فقط، انفجر لغم في المكان نفسه وأودى بحياة منتخب محلي. تلك اللحظة علمتها أن الميدان لا يفرّق بين رجل وامرأة، وإنما يختبر شجاعة الصحفي وإرادته.
منذ بداياتها حيث كانت التحفظات الاجتماعية قوية، إلى اليوم حيث أصبحت النساء الصحراويات فاعلات في غرف الأخبار ومواقع القرار، رأت سلم تحولا عميقا. تنظر إلى مسيرتها بفخر، مؤمنة أن التنظيم والدعم هما سر التوازن بين حياتها كإعلامية وكامرأة.
رسالتها للشابات واضحة: “لا تترددن، الإعلام بحر واسع من الفرص لمن يملكن الشغف والإرادة.”
الأستاذة النعمة الداودي حارسة الثقافة والنقابة..والسيدة الوحيدة على رأس هيئة نقابية صحافية بالجنوب
بثقة الواثقة من تراثها، ترفض النعمة الداودي فكرة أن الخصوصية الثقافية الحسانية كانت عائقا أمام النساء في الإعلام. بل تراها جسرا منح النساء الصحراويات مكانةً مميزة كسفيرات للهجة واللباس الأصيل، مكملن بذلك صورة الإعلام المحلي بقيم ثقافية متجذرة. تقول في هذا السياق إن المرأة الصحراوية “اشتغلت في جميع مواقع الصحافة: صحفية، مصورة، مخرجة، ورئيسة تحرير”، وهو ما جعل حضورها “وازنًا جدًا” وقيمة مضافة لمجال حديث النشأة في الأقاليم الجنوبية.
لكن مسار النعمة لا يقف عند الشاشة والإلقاء، فهي إلى جانب عملها كصحفية ومقدمة برامج ونشرات إخبارية بقناة العيون، تشغل موقعا قياديا استثنائيا ككاتبة فرع العيون الساقية الحمراء للنقابة الوطنية للصحافة المغربية، لتكون بذلك السيدة الوحيدة التي ترأس هيئة نقابية صحافية في الجهات الثلاث للأقاليم الجنوبية. من هذا الموقع، ترصد بتمعن واقع الصحفيات: “النسبة الأكبر من المتمدرسين في معاهد الإعلام بالجهة هن من الإناث”، معتبرة أن هذا التدفق النسوي على قاعات التكوين يخلق دينامية جديدة ويؤشر على مستقبل واعد.
غير أن هذه الدينامية، كما تشير الداودي، تواجه تحديات متشابكة: أولاها نقص التكوين المستمر والموارد التدريبية، وثانيتها الصعوبات الاقتصادية التي تكبح المقاولات الإعلامية الناشئة.
وفي رسالة موجهة إلى الصحفيات الشابات، تختصر الداودي فلسفة القيادة التي تحملها: “لا تخافن من طرح الأسئلة، ففضولكن هو مفتاح اكتشاف الحقائق…استخدمن منصاتكن لنشر الوعي، وكونّ صوتا لمن لا صوت له”.
نجاة حمص كاتبة الرأي التي لا تنتمي إلا لضميرها
لم تنتظر نجاة عرض عمل من مؤسسة لتبدأ مسيرتها. من حبها للكتابة منذ طفولتها، تشكلت هويتها كصوت حر يناقش قضايا المجتمع بجرأة وعمق. هذه الاستقلالية، التي تعتبرها “نعمة”، منحتها ترف اختيار مواضيعها وأسلوبها دون قيود. تتلقى تفاعلا لافتا من قراء ينتمون إلى مختلف الشرائح، النخب وأصحاب القرار، وحتى من يعارضونها يبدون احتراما لأسلوبها المختلف الذي يصهر السخرية بالتحليل الثاقب.
تحلم بأن تصبح صوت السخرية الاجتماعي الأول في العالم العربي، ناقدةً بأسلوبها المميز، مؤمنة أن طريقها يبدأ بالقراءة وإدمان المطالعة، وليس بالبحث عن الشهرة.
ليلى عطا الله من الصحفية إلى قائدة مؤسسة
لم يكن تأسيس مؤسسة إعلامية خاصة مهمة سهلة في مجتمع محافظ، لكن إصرار ليلى من العاصمة الروحية للأقاليم الجنوبية السمارة حوّل هذا الحلم إلى واقع. بدأت صحفية، ثم ارتقت لتدير التحرير، لتصل أخيرا إلى تأسيس منصتها الإخبارية الخاصة. أكبر التحديات كان الاحتكاك اليومي في ميدان كان حكرا على الرجال، والنظرة المجتمعية الضيقة التي تشكك في قدرة النساء على إدارة الملفات الكبرى.
في مؤسستها، تتبنى سياسة تحريرية صارمة قائمة على الكفاءة وحدها، وتعمل يوميا على تحطيم الصور النمطية وتوفير فرص متساوية لجميع فريقها. تؤمن أن التوازن بين قيادة مؤسسة وقيادة أسرة هو فن تتقنه بالتنظيم الجيد والدعم العائلي الذي كان حجر الزاوية في نجاحها.
واستنادا إلى ما أشارت إليه النعمة الداودي حول الحضور النسوي الوازن في التكوين، تساءلنا عمّا إذا كانت هذه الملاحظة حالة معزولة أم واقعا عاما. لذلك قمنا بالاستقصاء عن إحصائيات حديثة تخص خريجي معاهد الصحافة بالأقاليم الجنوبية برسم سنة 2025، حيث أكدت الأرقام بشكل قاطع تفوق العنصر النسوي من حيث الحضور والولوج.
ففي معهد الجزيرة للصحافة وعلوم الاتصال بالداخلة، بلغ عدد الخريجين 21، من بينهم 13 طالبة بنسبة %62 مقابل 8 ذكور بنسبة %38. أما معهد الصحافة المتخصص في السمعي البصري بالعيون فقد سجّل 28 خريجا، بينهم 21 طالبة %75 و7 ذكور %25. وبالنسبة إلى معهد الصحافة وعلوم الأخبار، فقد بلغ عدد الخريجين 46، ضمنهم 27 طالبة %59 و19 طالبا %41.
هذا التفوق النسوي ينسحب أيضا على مختلف التخصصات، بدءا من الإنتاج والتواصل إلى السمعي البصري وسلكي التقني المتخصص والإجازة المهنية. هذه النسب التي تتراوح بين %59 و%75 ترسم صورة لا لبس فيها لجيل جديد من الصحفيات المؤهلات أكاديميا، مستعدات لخوض غمار المهنة.
جهة الداخلة وادي الذهب الوجه الجديد للصحافة الشابة بغياب قيادة نسائية
فتوتة هنون صوت الصحراء في الميدان
بملحفتها التي تتحصّن بها من غبار الطرقات، وحذائها الرياضي الذي يحملها إلى حيث لا يجرؤ غيرها على الذهاب، شقّت طريقها في الصحافة الميدانية. لم تنتظرِ الإمكانيات، بل صنعتها، فكاميرتها وصوتها كانا سلاحها الأول، ومهنيتها كانت درعها الذي كسبت به احترامَ السلطات والزملاء على حدٍ سواء.
واجهتْ – كأي رائدة – نظرات متشككة وتحديات حقيقية، لكنها آمنت بأن الردَّ الأقوى هو “العمل الهادئ والثقة الهادئة”. تحوّلت صعوبات الميدان إلى مدرسةٍ علمتها أن الثقةَ تُبنى “قطعةً قطعة”، وأن الاحترامَ لا يُمنح، بل يُكتسَب.
لم تنسى يوما أنها “الصحفية الميدانية الوحيدة في الجهة”، فحملت المسؤولية بجدّ، ووازنت بين انطلاقتها المهنية وحياتها الخاصة بوعيٍ نادر. تنظر للمستقبل بشغف التطوّر، مؤمنةً أن التعلمَ لا يتوقف، وأنّ طريق الألف ميل يبدأ بخطوةٍ صادقة.
رسالتها للشابات: “لا تنتظرن الوسادة المريحة..ابدأن من حيث أنتن، واصنعن أدواتكن بأنفسكن. الميدان لا يعترف بالضعيفات”.
جهة كلميم وادنون إرادة تصنع المعجزات بإمكانيات بسيطة
لطيفة شهيد الإصرار من سيدي إفني إلى الرباط
انطلقت لطيفة من مدينة سيدي إفني الصغيرة، مسكونة بشغف طفولتها للصحافة، لتحول حلمها إلى حقيقة. بدعم من عائلتها وزملائها الصحفيين، شقت طريقها في جريدة الكترونية محلية، قبل أن تنطلق إلى العاصمة الرباط لتواصل مسيرتها كمحررة. كل تجربة ميدانية في الجنوب، رغم محدودية الإمكانيات، كانت بمثابة مدرسة لها، صقلت مهنيتها وعلمتها كيفية التكيف. كأم وزوجة، تواجه التحدي اليومي في الموازنة بين متطلبات أسرتها وهموم مهنتها، وتجد في مرونة العمل حلا لذلك. تشير بأصبع الاتهام إلى ندرة مراكز التكوين في الجهة كعامل رئيسي وراء ضعف تمثيل النساء في مراكز القرار، مقارنة بالعاصمة حيث التمثيلية النسائية “قوية بل وتفوق أحيانا عدد الذكور”. رسالتها للشابات بسيطة: “اجتهدي ولا تتوقفي. كل مجهود تبذلينه اليوم، سيعطي ثماره لاحقا”.
خديجتو عدي ريادة الأعمال الإعلامية بشغف نسائي
شغفها بالإعلام قادها لدراسة الأدب الإنجليزي، ثم السمعي البصري، وأخيرا ماستر في مهن الإعلام، في رحلة أكاديمية طوعتها لخدمة حلمها. تدربت في مؤسسات وطنية وجهوية كبرى لتكتسب الخبرة العملية. لم تكتفِ بالعمل لدى الآخرين، بل أسست أول مقاولة إعلامية نسائية في الجهة، لتقدم صوتا مختلفا يركز على هموم الجهة وينقل قضاياها. التحديات المادية واللوجستية كانت أكبر عائق واجهته، لكن احترام المجتمع لمهنيتها وإصرارها الشخصي كانا سلاحها للاستمرار. تتذكر لحظة مفصلية حين قال لها أخوها: “لن تقدري على تسيير مقاولة”، لكن إصرارها جعله بعد عامين أول داعم لها. تعتمد على مواردها الذاتية وشبكة علاقاتها المحلية لضمان استمرارية مشروعها، مؤمنة بأن “الإعلام المحلي ينجح حين يكون قريبا من الناس”.
جميلة العراݣ الميدان بذكاء من آسا
نشأت جميلة في آسا، لكن شغفها قادها إلى الدار البيضاء لدراسة الصحافة في سلك الماستر، حيث اكتسبت أدوات المهنة وأخلاقياتها. عودتها إلى الجنوب لم تكن سهلة، واجهت نظرة مجتمع محافظ إلى دور النساء، إضافة إلى شح المؤسسات الإعلامية والموارد. لم تستسلم، بل طورت أسلوبا ذكيا قائما على فهم عميق لنسيج مجتمعها المحلي، تعمل من خلاله على كسب المصداقية والاحترام، متجنبة الصدام المباشر مع التقاليد، من دون أن تتخلى عن مهنيتها. تؤكد أن التحديات ليست حاجزا بل دافعا، وأن النساء الصحفيات في الجنوب اليوم أصبحن “أكثر استعدادا للتفاوض على مساحة وجودهن”. تطالب ببرامج تكوين مستدامة لا موسمية، تركز على القيادة والتسيير المالي، لأن الهدف هو وصول النساء إلى “مواقع التأثير وصنع القرار”، وليس فقط الظهور على الشاشة.
حدهم بلالي من التكوين الصحافي إلى التدريس…موهبة في انتظار الفرصة
انضمت حدهم بلالي إلى عالم الصحافة من مدينة الزاك عام 2020، حاملة حلم الطفولة بالصحافة، لتلتحق بالمعهد العالي للصحافة والإعلام بالدار البيضاء ضمن اتفاقية شراكة محلية لاسا الزاك. خلال ثلاث سنوات من التكوين، اكتسبت الأبجديات الأولى للمهنة وتعلمت على يد كوكبة من الإعلاميين والإعلاميات، وكانت من بين المتفوقات في دفعتها.
اختارت في مشروع تخرجها معالجة “صورة المرأة في الإعلام”، مسلطة الضوء على التمييز بين الجنسين في الميادين الصحافية، “حيث تُحصر النساء غالبا في المواضيع الاجتماعية، في حين تظل مناصب السلطة ورئاسة التحرير حكرا على الرجال. أظهرت البيانات الرسمية للهيئة العليا للاتصال السمعي البصري أن نسبة حضور النساء في البرامج الإخبارية لا تتعدى %17 مقابل %82 للرجال، ما يعكس فجوة حقيقية، خصوصا في الأقاليم الجنوبية.”
بعد التخرج، وجدت حدهم نفسها أمام واقع محدودية الفرص وعشوائية التسيير في المؤسسات الإعلامية المحلية، ففضلت التوجه مؤقتا نحو التدريس الخصوصي، مع الحفاظ على شغفها بالصحافة، مستمرة في الكتابة والتسجيل بين الحين والآخر. وتؤكد حدهم أن العودة إلى الإعلام “مسألة وقت”، مشددة على أهمية توفير بيئة عمل ملائمة واحترام أخلاقيات المهنة، وهو ما لن يتحقق إلا من خلال هيكلة قانونية سليمة للمقاولات الإعلامية.
هذه الشهادات النسائية، المقرونة بأرقام تكشف تفوقا يصل إلى %75 في بعض معاهد التكوين، تعكس طاقة كبيرة قادرة على إعادة تشكيل المشهد الإعلامي الجنوبي. غير أن هذا الحضور البارز لا يجد امتدادا مماثلا في مواقع صنع القرار.
فقصة حدهم بلالي، التي اختارت التدريس مؤقتا رغم تفوقها في مجال الإعلام، تكشف جانبا من الفجوة بين التكوين الأكاديمي والواقع المهني، وهنا يبرز المحور الثاني من التحقيق حيث التحديات الهيكلية تعيق انتقال الكفاءات النسائية من مقاعد الدراسة إلى مراكز الممارسة والقيادة.
ما وراء التغطية..عندما يصطدم صمود الصحفيات بجدار القصور الهيكلي
بينما تروي الصحفيات في الأقاليم الجنوبية قصصهنّ بلهجة تفيض بالشغف والإصرار، كشفت لنا المعطيات الإحصائية الرسمية للمجلس الوطني للصحافة لسنة 2025 عن واقع مختلف وأكثر إشكالية، يرسم فجوة منهجية وجغرافية مثيرة للقلق في تمثيل النساء داخل مواقع القرار الإعلامي.
التمثيلية الجندرية في الإعلام الجهوي بالأقاليم الجنوبية 2025 (المصدر: المجلس الوطني للصحافة)
في جهة العيون الساقية الحمراء، حيث يوجد 40 منبرا إعلاميا، لا تتجاوز مديرات النشر 7 صحفيات فقط %17.5، رغم أن النساء يشكلن 108 من أصل 252 عاملا في الميدان %43. أما في جهة كلميم وادنون، فالصورة أكثر هشاشة، إذ لا تتعدى مديرة نشر واحدة %6.6 من بين 15 منبرا، فيما لا تمثل الصحفيات سوى 15 من أصل 62 عاملا %24. وتأتي جهة الداخلة وادي الذهب في ذيل القائمة، حيث لا وجود لأي مديرة نشر، بينما عدد الصحفيات 15 من أصل 44 عاملا، موزعين على 10 منابر إعلامية.
هذه الأرقام ليست نسب مئوية مجردة، ولا تُجسّد فقط فجوة في العدالة الجندرية، بل تُشير إلى خلل بنيوي متجذر، وتطرح سؤالا محوريا: لماذا تنجح الصحفيات في الميدان ويخترنَ صناعة المحتوى، لكنهنّ تواجهن محدودية واضحة في الوصول إلى مواقع صنع القرار والتأثير؟
يحلّل الدكتور خيطار الشرقي، المتخصص في الإعلام، هذه الظاهرة تحليلا شاملا، إذ يؤكد أن محدودية الحضور النسائي هذا ليس شأنا جهويا معزولا، وإنما انعكاس لواقع وطني أعمق.
يقول الدكتور الشرقي: “ضعف تمثيلية النساء في مواقع القرار داخل الإعلام الجهوي هو نتاج تراكمات مجتمعية عميقة، وعدم استثمار كافٍ في قدراتهن على خلق ديناميكية قيادية، مما يعيد إنتاج الصورة النمطية ويحافظ على دورهن في مهام محدودة.”
ويضيف: “العوامل الاجتماعية، الثقافية، الاقتصادية، والتكوينية تتشابك لتؤثر سلبا على حضور النساء، وتسهم في حصر مواضيعهن في زاوية ضيقة، وتزيد من تعرضهن لحالات من التشهير والابتزاز. كل هذا قد يدفع الصحفيات أحيانا للاعتقاد بأن قدرتهن على إدارة المواد الإعلامية الكبرى محدودة، وهو اعتقاد يتعارض تماما مع الواقع”.
ويضيف الدكتور الشرقي بأن التقارير الدولية، مثل هيئة الأمم المتحدة للمرأة، اليونسكو، والرصد العالمي للإعلام GMMP، اظهرت تحسنا رقميا في حضور النساء، غير أن الواقع الميداني يكشف أن هذا التقدم شكلي ولا يعكس التحول العميق المطلوب. النساء موجودات كمذيعات ومراسلات، لكنهنّ ما زلن بعيدات عن مناصب قيادة المنابر الإعلامية وصناعة السياسات واتخاذ القرارات الاستراتيجية التي تشكل الوجه الحقيقي للإعلام الجهوي.
التحليل الإحصائي والميداني معا يقدم رؤية جديدة: التقدم في الأرقام لا يعادل التأثير في السلطة. الصحفيات نجحن بإرادتهن الفردية، في اختراق الميدان. لكن الهياكل المؤسسية ما زالت تشكل عائقا أمام وصولهن إلى مراكز القيادة، مما يحول نجاحهنّ إلى استثناءً يُحتفى به وليس قاعدة يمكن البناء عليها.
إلى ذلك، تبقى قصص الصحفيات في الأقاليم الجنوبية برهانا حيا على الإبداع والمقاومة الصامتة، ودعم النساء الإعلاميات ليس مجرد مطلب نسوي، إنما استثمار في مصداقية الإعلام، خدمة للصالح العام، وضمانة لسماع صوت المجتمع بكل ألوانه. الأرقام تثبت أن التمثيل النسائي لم يحقق بعد العدالة الإعلامية. دعم الكفاءات الصحفية النسائية في الأقاليم الجنوبية هو استثمار حقيقي في مستقبل الإعلام الوطني.