Top

ذكرى رحيل الشاعر الكبير: بابلو نيرودا..صوت أمريكا اللاتينية الذي لا يزال حيا

في مثل هذا اليوم، رحل أحد عمالقة الأدب العالمي، الشاعر التشيلي بابلو نيرودا، تاركا وراءه إرثا شعريا هائلا لا يزال يلامس قلوب الملايين حول العالم. إنه صوت الحب والثورة والإنسان، الذي حوّل تفاصيل حياته المضطربة إلى قصائد خالدة.

وُلد نيرودا، واسمه الحقيقي نيفتالي ريكاردو رييس باسولاتو، في الثاني عشر من يوليوز 1904 في إحدى القرى التشيلية. وبعد إنهاء دراسته الثانوية والجامعية، عمل في مهن متواضعة قبل أن يجد طريقه إلى السلك الدبلوماسي، حيث شغل مناصب قنصلية في دول مختلفة من الشرق الأقصى. وفي جزيرة جاوا عام 1960، تزوج من فتاة إندونيسية رافقته لاحقا إلى إسبانيا ثم إلى تشيلي، لتصبح جزءا من حياته المتقلبة.

منذ بداياته، حملت كلماته وعدا بميلاد شاعر استثنائي، ففي عام 1918 نشر أولى قصائده بعنوان “عيناي”، ثم أصدر ديوانه الأول “شفقيات” سنة 1923. وفي العام الموالي، قدّم للعالم ديوانه الشهير “عشرون قصيدة حب وأغنية يائسة”، الذي سيخلّد اسمه كأحد أبرز الشعراء الرومانسيين في القرن العشرين. سنة 1933 جمعته الأقدار بالشاعر الإسباني الغرناطي فدريكو غارسيا لوركا، في لقاء بالأرجنتين نسج بينهما صداقة عميقة طبعتها الكلمة والالتزام الفني. ومع تزايد حضوره الاجتماعي، انتُخب سنة 1945 نائبا في البرلمان عن منطقة المناجم، لكن مواقفه الجريئة ضد السلطة جعلته عرضة للعزل والملاحقة، ليضطر عام 1949 إلى الهروب عبر الحدود بعد صدور أمر باعتقاله.

لم تكن حياته الخاصة أقل درامية، فبعد سلسلة من الارتباطات والانفصالات، وجد الحب الحقيقي سنة 1955 مع ماتيلدا أوروتيا، المرأة التي أصبحت ملهمته الأبدية، وحاضرةً في كثير من أشعاره. أما ذروة مساره الأدبي فقد تجسدت في 21 أكتوبر 1971 حين تُوّج بجائزة نوبل للآداب، تقديرا لشعره الذي منح الكلمة قوة جديدة للأحلام والمصير الإنساني.

غير أن نيرودا رحل في مشهد مأساوي يختزل اضطرابات عصره، فقد توفي يوم 23 شتنبر 1973 في إحدى مصحات العاصمة سانتياغو، بعد اثني عشر يوما فقط من اغتيال صديقه الرئيس سلفادور أليندي خلال الانقلاب الدموي الذي أطاح بالحكم الديمقراطي في تشيلي بدعم من المخابرات المركزية الأمريكية.

ترك بابلو نيرودا وراءه إنتاجا أدبيا ضخما تجاوز حدود أمريكا اللاتينية، ووجد فيه القراء نافذة على شاعر استطاع أن يمزج الرقة الفنية بالعمق الإنساني، وأن يحوّل حياته المليئة بالاضطراب والقلق والحب والنضال إلى أعمال خالدة. ومن أبرز ما تركه: الإقامة على الأرض، إسبانيا في القلب، النشيد العام، مائة قصيدة حب، مذكرة الجزيرة السوداء، السيف الملتهب، أحجار السماء، القلب الأصفر، إضافة إلى الاعترافات التي ضمّن فيها سيرته الذاتية.

بابلو لم يكن مجرد شاعر كتب عن الحب أو الثورة، وإنما صوت قارة بأكملها، ومرآة لأحلامها وآلامها وجمالها. فسلاما على روح شاعر الإنسانية، بابلو نيرودا، الذي سيظل صوته حيا في ذاكرة العالم.

اترك تعليقا