Banner Post

موسم طانطان 2025..أسئلة مشروعة حول توقيت يثير الجدل

حمادي سركوح

تستعد مدينة الطانطان لاحتضان الدورة الثامنة عشرة من موسمها الثقافي المميز، المنظم تحت الرعاية الملكية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، في الفترة ما بين 14 و18 ماي 2025، تحت شعار: “موسم طانطان: شاهد حي على عالمية ثقافة الرحل”. وكما دأبت العادة، يُنتظر أن يشكّل الموسم مناسبة بارزة للاحتفاء بالثقافة الحسانية، وصون التراث اللامادي للرحل، وتثمين التقاليد الصحراوية الأصيلة.

لكن، وكما هو الحال دائما مع هذا النوع من الأحداث، فإن “لكن” تأتي محمّلة بتساؤلات مشروعة، أبرزها توقيت تنظيم الموسم الذي يطرح هذه السنة علامات استفهام جدية، خاصة أنه يتزامن مع ظرفية دقيقة ومزدحمة بعدة مواعيد وطنية، أمنية، وتربوية. ما يدفعنا، كمنبر إعلامي محلي مهني، إلى التساؤل: من يقرر هذا التوقيت؟ وعلى أي أساس؟ وهل يتم إشراك مختلف الفاعلين المعنيين محليا وإقليميا قبل الحسم في الجدولة الزمنية؟

فالافتتاح المقرر في 14 ماي يتزامن مع الذكرى الوطنية لتأسيس القوات المسلحة الملكية، وهي مناسبة ذات طابع استراتيجي وأمني بالغ الأهمية. كما أن نفس الفترة تشهد تنظيم مناورات الأسد الإفريقي، إحدى أضخم التمارين العسكرية متعددة الجنسيات في القارة، والتي يحتضنها مصب وادي درعة على بعد 25 كيلومترا من طانطان، ما يفرض استنفارا لوجستيا وأمنيا كبيرا.

وتتواصل علامات الاستفهام مع ذكرى تأسيس الأمن الوطني يوم 16 ماي، التي تستوجب تعبئة وطنية واسعة تشمل جميع المدن، بما فيها الأقاليم الجنوبية. فهل تمت مراعاة هذه الالتزامات الأمنية عند اختيار توقيت تنظيم موسم ثقافي جماهيري بهذا الحجم؟

من جهة أخرى، يصادف هذا التوقيت فترة حساسة بالنسبة للقطاع التربوي، حيث يستعد آلاف التلاميذ والطلبة لاجتياز امتحانات نهاية السنة الدراسية، بعضها مصيري. وفي ظل مدينة صغيرة كبنية، قد تؤثر الأنشطة الصاخبة المصاحبة للموسم، من سهرات وكرنفالات وسيرك، على التركيز والتحصيل الدراسي، خصوصا مع الاضطرابات التي قد تطرأ على السير العادي للمؤسسات التعليمية التي يشارك تلامذتها بشكل وازن في كرنفال اليوم الأول.

أما على المستوى الاجتماعي، فإن الموسم يأتي مباشرة بعد شهر رمضان وعيد الفطر، وفي فترة تسبق عيد الأضحى الذي يصادف 10 يونيو. ورغم أن هذه السنة لن تشهد ذبح الأضاحي، بفضل الرسالة الملكية السامية التي أعلن عنها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، والتي أعفت المواطنين من هذه الشعيرة تخفيفا عنهم في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة وتراجع أعداد الماشية بسبب الجفاف، إلا أن تنظيم تظاهرة بهذا الحجم قد يشكّل عبئا إضافيا على الأسر، سواء من حيث الإنفاق أو الالتزامات.

وانطلاقا من كل هذه الاعتبارات، نسائل الجهات المنظمة والوصية عن مدى إشراكها للساكنة المحلية، والسلطات الإقليمية، والمجتمع المدني، والمؤسسات الأمنية والعسكرية، في اتخاذ قرار بهذا التأثير. فالتوقيت، وإن بدا تقنيا أو إداريا، إلا أنه في العمق قرار استراتيجي يستوجب توافقا وتنسيقا شاملا.

إلى ذلك، نثمّن عاليا الجهود المبذولة لإنجاح هذا الموسم الثقافي العالمي، الذي يُعد مفخرة وطنية ورمزا للغنى التراثي المغربي، لكننا نؤمن في الآن ذاته أن النجاح الحقيقي يتطلب الانسجام مع السياق المحلي والوطني، والحرص على عدم تقاطع الأولويات أو إثقال كاهل الفئات الهشة.

فهل آن الأوان لإعادة النظر في آلية اتخاذ مثل هذه القرارات؟ وهل يمكن التفكير في مقاربة تشاركية أكثر واقعية ومرونة؟

أسئلة نطرحها بصدق ومسؤولية، حرصا على الشفافية والتخطيط السليم، وخدمة للمصلحة العامة.

اترك تعليقا