روبورتاج

تحديات حرية الصحافة في المغرب: “بين حق الوصول إلى المعلومات والحماية القانونية للصحافيين”

تتزايد أهمية حق الجميع في الوصول إلى المعلومات وحرية الصحافة بالمغرب، كأساس لتحقيق مجتمعات مدنية ديمقراطية ومستدامة، خاصة في عصر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، الذي نعيش فيه، بحيث تعتبر القدرة على الوصول إلى المعرفة وتبادل الأفكار والآراء هي جوهر الديمقراطية، كما تعد حرية الصحافة ركيزة أساسية في تأمين هذا الحق.

ومع ذلك، تواجه حرية الصحافة وحقهم في الوصول إلى المعلومات بالمغرب، تحديات عديدة يفرضها الإطار القانوني والتشريعي المنظم سواء لمهنة الصحافة أو لقانون الحق في الحصول على المعلومات.

كما أمست وسائل التواصل الاجتماعي منصة رئيسية لانتشار المعلومات والأخبار، وهو ما أثر بشكل كبير على دور الصحافة التقليدية وتوزيع الأخبار، بالإضافة إلى ذلك، تواجه وسائل الإعلام والصحافة تحديات من جهات متعددة، بما في ذلك التضييق على حرية التعبير والرقابة الحكومية المفرطة، فضلاً عن التحديات التقنية والمالية، لذا يبدو أن هناك حاجة ماسة لإعادة تقييم دور وسائل الإعلام وتعزيز الشفافية والمساءلة فيما يتعلق بنقل الأخبار والمعلومات.

حدود الصحافيين في الحق في الحصول على المعلومة: معاناة تعيق ممارسة صحافة مهنية بالمغرب

لا يزال الحق في الوصول إلى المعلومات الواردة من الإدارات العمومية في المغرب محصورًا بتلة من التحديات التي تعيق تفعيله بشكل كامل، وذلك على الرغم من أن الدستور المغربي يضمن هذا الحق منذ سنة 2011.

وقد سبق لدراسة علمية أنجزها الباحث عبد الرحمان علال، بالتعاون مع منظمة أنترنيوز، والمعهد المغربي لتحليل السياسات والمنتدى المغربي للصحافيين الشباب، أن أبانت عن وجود عوائق كثيرة تحول دون الوصول الفعّال للصحافيين إلى المعلومات، خاصةً عندما يكونون يتعاملون مع قضايا ملحة وطارئة.

بحيث أن قانون 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات، لا يعطي للصحافيين أي صفة في مسار طلب المعلومة، أي لا فرق بينه وبين باقي المواطنين، أو المقيمين في المغرب بصفة قانونية.

فضلا عن كون الأجال الطويلة التي يفرضها قانون 31.13، حيث تنص المادتان 16 و17 منه على أجل 20 يوما من أيام العمل، و3 أيام في حالة الاستعجال، الشيء الذي لا يخدم وتيرة اشتغال الصحافيين السريعة واكراهات النشر والسحب.

في هذا الصدد يرى ابراهيم اشوي، صحافي مهني بالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، أن الحق في الوصول الى المعلومة بالمغرب لازال في مراحله الأولى، وبالتالي كصحفيين يجدون أنسفهم أمام معيقات.

” أحيانا في العديد من الادارات التي لم تهيئ بعد لتنزيل هذا الحق، يتم التهرب او الاكتفاء بعدم جاهزية المرفق بعد لتطبيق هذا الإجراء، سواء بعدم تخصيص موظف مكلف، او كذا تستر الإدارة وراء قانون اخر يكون بمثابة نقيض اي عدم إفشاء أسرار المهنة او معلومات خاصة” يضيف ابراهيم اشوي في تصريح له لموقع نقطة بريس.

ويضيف المتحدث القول أن الادارات والموارد البشرية العاملة في الإدارات والمؤسسات الحكومية في أمس الحاجة إلى تكوينات، ومراسلات رسمية من لدن مصالحها المركزية، ليتم التماشي مع التغيير الحاصل، ويتستجيبوا لإجراءات الحق في الوصول الى المعلومة، وبالتالي يجد الصحفي نفسه بين الفينة والأخرى وراء مسطرة أخرى، ونضال أكبر، عوض التركيز على هدفه المتمثل في انجاز مهامه ومواده في الأجال المطلوب.

أما فيما يخص إحترام الإطار القانوني والمساطر المتبعة التي تضمن للصحافيين الوصول الى المعلومة، يرى ابراهيم اشوي أن هنالك بالفعل اطار قانوني فضلا لجنة ومنصة تحمي كل طالب للمعلومة من المواطنين والمواطنات، لكن الإجراءات والأجال أحيانا تعيق عمل الصحفي، بحيث يجد نفسه ملزماََ بسلك مساطر وإجراءات قد ثأثر في العمل الصحفي وقواعده، فضلا عن تأخره عن الوقت المحدد لعمله، والذي يكون في أغلب الحالات أسرع بكثير من الذي قد تسلكه المساطر.

” لهذا من منظوري الخاص، يجيب تعديل القانون ومنح تمييز السرعة للصحفيين بدل المواطنين العاديين.” يختم ابراهيم حديثه معنا.

بدورها خولة اجعيفري، صحافية مهنية بمؤسسة الصحيفة، ترى أن المغرب في السنوات الأخيرة، حقق طفرة نوعية على مستوى التطور المؤسساتي والتشريعي، ما ساهم في تعزيز حرية الرأي والتعبير، وتكريس محورية الصحافة المهنية في تأطير المجتمع وتعبئته وتوعيته، بيد أنه ما تزال بعد التحديات التي تشوش على هذه الدينامية.

“الحق في الحصول على المعلومة في المغرب، ما يزال تكتنفه جملة من التحدّيات والعراقيل التي تحول دون حصول الصحافي، أو لنقل المواطن، على اعتبار أن الصحافي أثناء بحثه عن المعلومات يطلبها بصفته مواطنا وليس بصفته المهنية، (دون الحصول) على حقه المشروع بنص دستوري وقانون من المفترض أن يؤطر حصوله على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارات العمومية، والمؤسسات المنتخبة، والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام وغيرها” تضيف المتحدثة خولة اجعيفري لنقطة بريس.

وتؤكد خولة اجعيفري على كون العائق الأول الذي يُواجهه الصحافي في إطار مساعيه للحصول على المعلومة هو ما أسلفت ذكره، بحيث أنه يقدّم طلبه بصفته مواطنا، وبالتالي هذا يستوجب عليه الاحتكام إلى الآجال التي وضها القانون 31.13 المؤطر لهذا الحق وتضيف قائلة” هنا أستحضر أنه محدد في 20 يوما من أيام العمل، و3 أيام في حالة الاستعجال، وهذا يعني بلغة الصحافة الموت السريري للخبر، في مهنة محكومة بعامل الوقت والظرف والزمن والمتغيرات التي تحدث في كل ثانية، يعني أن هذه الفترة لم تأخذ بعين الاعتبار الإكراهات المهنية للصحافيين وهذا ما يجعل أن عددا منهم يتخلّون عن فكرة تثبيت هذا الحق وتفعيل المسطرة، وربما من الصحافيين من أصر على التشبث بهذا الحق هو صحافي واحد ياسر المختوم وماتزال القضية التي رفعها في ردهات المحاكم.”

وتردف قائلة بأن عامل الاستهتار بالمعلومة من طرف المسؤول في الإدارات أو المؤسسات المنتخبة، والهيئات المكلفة بتدبير المرفق العام تشكل كذلك مشكلا أمام الصحافي، بحيث أن معظمهم لم يستوعبوا بعد أهمية تمكين الصحافيين من المعلومة الدقيقة في آجال محددة، والأمر راجع ربما للثقافة السائدة المرتبطة بالتكتم والخلط بين المعلومة التي يستوجب تمكين المواطن منها وهي موضحة بالبند العريض في دستور المملكة والقانون الجاري به العمل، والسر المهني، وواقع الخوف النفسي من تقديم معلومة، وهذه كلها تلعب دور كبير في عدم تمكن المغرب حتى الآن من تحقيق تقدم ملموس وفعلي في هذا المجال.

وعبرت خولة اجعيفري عن أسفها قائلة “ما تزال الإدارات بما فيها التي توفر النزر الضئيل من المعلومة تعتبرها “منة”، وتكاد لا تستوعب حق الصحافي في تلك المعلومة راسخ، وأن عدم توفيرها هو بمثابة عرقلة لعمل الصحافي وحق المواطن باعتباره المعني الأول في الحصول عليها، وضرب في عمق الدستور اذي جاء ليكرس حق الصحافيين في ممارسة مهنتهم بالحرية المكفولة والمؤطرة بأخلاقيات مهنية محددة”

لتختم حديثها مع نقطة بريس بكون الدينامية التي يعرفها المغرب في مجال محاربة الفساد ومحاسبة المسؤولين و المنتخبين الفاسدين، لا يمكن أن تتحقق دون توفير المعلومة الدقيقة والشفافة باعتبارها النفس الحقيقي للديمقراطية، والشفافية والانفتاح الوضوح الذي نرجوه في مؤسسات الدولة، مع تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.

الحق في الحصول على المعلومة للصحافيين: ألية لمحاربة الفساد وترسيخ مبدأ المحاسبة

إن الحديث عن ثنائية حرية النشر والمسؤولية القانونية، يتطلب الوقوف على مختلف الجرائم التي نص عليها قانون الصحافة والنشر المغربي، ما قد يبين تفاوتات على مستوى استجابة هذا القانون لتطلعات المهنيين والممارسين والمهتمين بالقطاع الصحفي.

في تصريح لنقطة بريس، عبر عبد العزيز خليل، أستاذ زائر بجامعة محمد الخامس وباحث في القانون العام والعلوم السياسية، أن الحق في الحصول على المعلومة يعتبر حقاََ متجذراََ ليس فقط على مستوى القوانين، ولكن في جل الدساتير والمواثيق الدولية المرتبطة بحقوق الإنسان، ليضيف أنخ يجب التنويه بكون هذا الحق يدخل في إطار الشفافية، ومبدأََ من مبادئ الديموقراطية والحكم الرشيد.

وأضاف المتحدث ” لا يمكن أن نتحدث عن أي نظام ديموقراطي بدون شفافية، هته الأخيرة يتم تنزيلها عبر مجموعة من الأليات، أبرزها قانون الحق في الحصول على المعلومة، هذا القانون يعطي الحق لكل مواطن وكل هيئة وكل مؤسسة، سواء عامة أو خاصة في أن تحصل على المعلومات التي يخول إليها القانون بالطبع، فنتحدث أنه يستثنى منها المعلومات المتعلقة بالأمن والدفاع المدني والحياة الخاصة للأفراد التي تحوزها الجهات المخول لها ذلك، وكل ما يدخل في اطار المعلومة المشروعة التي يمكن أن يلج لها العموم يمكن لأي مواطن مباشرة الاجراءات القانونية والحصول عليها عبر الجهة المعنية.”

كما عبر الأستاذ عبد العزيز خليل كون الخصوصية الإعلامية يمكن أن يثار حولها مجموعة من التساؤلات، وذلك راجع لكون العمل الصحافي يتسم بالسرعة للحصول على الخبر، ليوضح أنه ” للأسف يجب أن نشير إلى كون القانون لا يعطي امتيازا للصحافيين في قانون الحق في الحصول على المعلومة، لكن المؤسسات تراعي في تعاملها مع الصحافيين خصوصية عملهم باعتباره حق من الحقوق التي يجب أن يضمنها القانون للمواطنين”

وأردف المتحدث ذاته أننا اليوم لا نتحدث عن السرعة في الحصول على المعلومة، بل يجب التركيز على الحديث على تعويد الهيئات والمؤسسات العمومية على ممارسة المواطنين لهذا الحق، وترسيخه داخل المجتمع، وذلك لاعتبارات عديدة يدخل ضمنها كون هذا القانون حديث رغم الصخب التشريعي الذي عرفه بالاعلام، إلا أنه من ناحية الممارسة، لا يزال حكرا على فئة قليلة، “وبالتالي كما قلت يجب على المؤسسات أن تتعود على العمل بهذا القانون واعطاء امتياز للصحافيين باعتبارهم صلة الوصل بينهم وبين المواطنين، لأن اليوم لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن نتجاوز الدور الذي يقوم به الإعلام باعتباره ألية المساهمة في الحياة العامة ومحاربة الفساد وألية للتنمية والمحاسبة.” ليختم الأستاذ خليل حديثه معنا.

المجتمع المدني ودوره الفعال في رفع الوعي بحرية الصحافة وموضوع الحق في الحصول على المعلومات :

يظل دور المجتمع المدني أساسيًا في تعزيز الحقوق الأساسية وتحقيق العدالة الاجتماعية، ومن بين هذه الحقوق، تبرز حرية الصحافة وحق الوصول إلى المعلومات كأدوات حيوية لبناء مجتمعات ديمقراطية ومستدامة.

حيث يعمل المجتمع المدني كجسر بين الحكومات والمواطنين، يسعى للضغط من أجل إصلاحات تشريعية وسياسية تعزز الشفافية وتقوي حقوق الإنسان، بما في ذلك حقوق الصحافة والمعلومات. كما يعتبر صوتاََ حقيقياََ للمجتمع، حيث يعمل على نشر الوعي وتعزيز الثقافة الديمقراطية بين الناس.

وتأخذ مجموعة من الجمعيات بالمغرب جنباََ إلى جنب شركائها الدوليين على عاتقها تكوين الصحافيين المهنيين والطلبة الصحافيين وصناع المحتوى حول أساسيات حرية التعبير، وكيفية حصولهم على المعلومات والأطر القانونية المنظمة للمجال، فضلا عن إصدار تقارير ودراسات ميدانية حول الموضوع.

ومن مبادرات المجتمع المدني في تيمة حرية التعبير، تعمل انترنيوز على دعم مشاريع تكوينات لفائدة صحافيين مهنيين وطلبة صحافيين.

في هذا السياق قال الصحفي والمُكون محمد توفيق أمزيان، إن الدورات التكوينية الموجهة لفائدة الصحفيات والصحفيين ولفائدة المجتمع المدني تلعب دورا مهما في ترسيخ عدد من المفاهيم المرتبطة بحرية التعبير لدى هؤلاء الفاعلين، ويجعلهم في نفس الوقت قادرين على نقل هذه المكتسبات المعرفية لفاعلين آخرين وحتى على مستوى توعية المواطنات والمواطنين وتمكينهم من مهارات معرفية وإلمام كبير بمجال حرية التعبير.

وأضاف أمزيان لنقطة بريس، والذي أطر دورة تكوينية بشراكة مع منظمة انترنيوز، كون “التكوين في مجال حرية التعبير والحق في الوصول إلى المعلومة يبقى مدخلا مهما لتوسيع قاعدة الفاعلين في هذا المجال والتوعية بحق أساسي من حقوق الإنسان لا يشمل الصحفيين والفاعلين الجمعويين فقط، بل يشمل جميع المواطنات والمواطنين، على اعتبار أن الحق في الولوج إلى المعلومة حق أساسي من حقوق الإنسان، وأيضا على مستوى حرية التعبير الذي يظل حقا راسخا لكل إنسان بدون أي قيود.”

وأردف المتحدث أن حقوق الإنسان تتميز بكونها شاملة ومتسعة وتشمل حقوقا أخرى، قد لا ينتبه لها البعض، كما هو الشأن لحرية التعبير وما يتقاطع معها من حقوق أخرى، بما فيها حق ممارسة الصحافة وحق الولوج إلى المعلومة وباقي الحقوق الأخرى. مبرزا أن التكوينات التي تتم على هذا المستوى ترفع وعي ومكتسبات الصحفيين والفاعلين الجمعويين وتمكنهم من تملك هذه القدرات ونقلها إلى أوساط أخرى.

هذه العملية، أوضح أمزيان أنها ستمكن تدريجيا في انتشار وعي وتملك حقوق الإنسان وأساسا حرية التعبير وباقي الحقوق المرتبطة بها، وتوسيع قاعدة الفاعلين المتملكين لقدرات نقل هذه المعارف الحقوقية نحو أوساط أخرى ونحو الأجيال الصاعدة من أجل توسيع الحاملين لهذه القيم، وتسهيل انتشار ثقافة حقوق الإنسان وفهم ممارستها وتنفيذها وضمانها بالنسبة للشخص وعموم المجتمع.

مدير الموقع

المنشور السابق

أمير المؤمنين يترأس اليوم الأحد إحياء ليلة المولد النبوي الشريف بمسجد حسان بالرباط

أعلنت وزارة القصور الملكية والتشريفات والأوسمة أن أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره…

4 أيام منذ

المغرب..توجه عام لتقييد استخدام القاصرين لمواقع التواصل الاجتماعي

تتجه المملكة المغربية لتقييد استخدام القاصرين لمواقع التواصل الاجتماعي، وأكدت الأغلبية الحكومية استعدادها لمناقشة تشريع…

6 أيام منذ

وزارة الصحة والحماية الاجتماعية تُعلن عن تسجيل حالة إصابة مؤكدة بجدري القردة

في إطار المنظومة الوطنية لليقظة والرصد الوبائي، وتنفيذاً لسياستها التواصلية، تُعلن وزارة الصحة والحماية الاجتماعية…

7 أيام منذ

اجتماع اولي لتفعيل الشراكة بين جامعة محمد الخامس والمجتمع المدني بالداخلة للاستفادة من دورات تكوينية حول قضية الوحدة الترابية.

في سياق التحضير للشراكة بين جامعة محمد الخامس والمجتمع المدني بالداخلة استقبل السيد فريد الباشا…

أسبوع واحد منذ

المجلس الاقليمي لوادي الذهب يعقد دورته العادية لشهر شتنبر

بقاعة الاجتماعات الكبرى بولاية الداخلة، عقد المجلس الاقليمي لوادي الذهب، يومه الاثنين 9 شتنبر 2024…

أسبوع واحد منذ

لجنة منبثقة عن مجلس جهة كلميم واد نون تقف على حجم الخسائر التي خلفتها الفيضانات الأخيرة بالجهة

بتعليمات من السيدة رئيسة مجلس جهة كلميم واد نون، انتقلت يومه الأحد 08 شتنبر 2024…

أسبوعين منذ