روبورتاج

تقنين صناعة المحتوى بالمغرب: بين التضييق على حرية التعبير وحماية الانترنت من هوس “الطوندونس”

يعيش المغرب، كباقي دول العالم، تزايدًا كبيرًا في استخدام الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي كوسيلة للتعبير والتواصل. ومع ذلك، جاءت هذه الزيادة مرفقة بتحديات جديدة تتعلق بالسيطرة على المحتوى وحماية الفضاء الرقمي.

فمن جهة، هناك حاجة لضمان حقوق حرية التعبير والوصول إلى المعلومات، وهو ما يشكل أساسًا لديمقراطية ناجحة، ومن جهة أخرى، يطرح انتشار الأخبار المضللة والمحتوى الضار تحديًا يتطلب تنظيمًا واضحًا لحماية المستخدمين والمجتمع. في هذا السياق، يتصاعد النقاش حول كيفية تحقيق التوازن بين هاتين الجوانب المتناقضتين.

فهل التدخل التي أصبح يمارس اليوم، ولو بشكل غير صريح لمراقبة المحتوى المنشور على الانترنت، ومعاقبة بعض صانعي المحتوى مؤخرا (مي نعيمة، نزار السبيتي…..) تحت ذرائع مختلفة، يمثل شكلا من أشكال التضييق على حرية التعبير في المغرب والتعدي على الفضاء الحر المطلق الذي وفرته الانترنيت منذ ظهورها؟ وهل هذا التدخل يصب في مصلحة المتلقي أم أنه يمارس عليه تعسفا وتوجيها للمحتوى الذي يجب أن يشاهده؟ كما أن محاولة حماية “الذوق العام” للمجتمع، يجعلنا تحت وصاية تقيد حرياتنا في الاختيار.

نهيلة المسؤل: “أقدم محتوى علمي…وأدرك أنني لن أتجاوز الأرقام التي يحطمها صانعي محتويات الترفيه و”الروتين اليومي”.

يحتل “الطوندوس” المغربي مجموعة من صناع المحتوى و”المؤثرين” الذي يحققون أرقام مشاهدات ومتابعات خيالية، ولا يقدمون سوى لقطات بعيدة كل البعد عن كونها مختارة بعناية، من حياتهم الشخصية وعلاقاتهم وهفواتهم وغيرها من الأمور التي أضحت مستباحة للعرض، ويساهم المتلقي المغربي في جعلها في واجهة المحتوى المغربي.

وفي ظل هذه الإشكالية، يجد صناع المحتوى الذي يقدم معلومات هادفة ومهمة أنفسهم في مواجهة التفاهة والأرقام التي تحققها.

تحدثنا مع نهيلة المسؤل، طالبة هندسة معلوميات سنة خامسة، وصانعة محتوى يتابعها أكثر من 100 ألف على منصة الانستغرام، ترى نهيلة أن التفاعل مع هذا النوع من المحتوى الذي تقدمه ليس كبيرا، بل تظل الأرقام محتشمة بالمقارنة مع محتويات أخرى.

“الناس المهتمين بالمجالات العلمية هم قلة مقارنة بالمتابعين لمحتويات الترفيه و vlogs على سبيل المثال، فأقول لو أن محتواي كان يميل أكثر الى الترفيه ومشاركة حياتي الخاصة كنت سأصل الى 100 ألف متابع وربما أكثر في وقت وبجهد أقل” تضيف نهيلة في حديثها مع نقطة بريس.

تشهد مواقع التواصل الاجتماعي وبالأخص منصة “انستغرام” اكتساحا لطبقة من “المؤثرين” ينبني محتواهم على مشاركة حياتهم الخاصة ومشاكلهم الزوجية وغيرها من الأمور التي أضحت تجذب المتلقي أكثر من المحتويات التي تقدم معلومات أو أخبار نافعة.

تقول المسؤل أن ” أي محتوى ساقط يروج لأفكار بطرق مخلة بالحياء وباستعمال كلام نابي أو ايحاءات يجب أن يتدخل القانون لردعه، حيث ان الحرية المطلقة على منصات التواصل الاجتماعي تجعل المحتويات معروضة لمجموعة من الفئات على حد سواء، وبالتالي يمكن أن يشاهد هذه المحتويات أطفال ومراهقين وفئات أخرى قد تكون حساسة أكثر”.

وحول حدود القانون وعلاقته بصناعة المحتوى كمهنة جديدة في العالم الافتراضي، ترى صانعة المحتوى كون إيمانها بحرية التعبيرلا ينفي الدور المهم الذي سيلعبه القانون اذا ما تم تكييفه لملاءمة هذا التطور الرقمي وتقنين صناعة المحتوى، وتضيف: ” حريتك تنهتي عندما تبدأ حرية الأخرين، فإذا كان المحتوى المعروض ينبني بالأساس على السب والقذف ومشاركة خصوصيات الأخرين، هنا يجب تقييد حرية هؤلاء “المؤثرين”، وبالتالي من الجيد التقنين القانوني لتأطير هذا الفضاء، لأن هذا سيساعد حتى على توفير الأمن الرقمي”.

الأستاذ مهدي الودي: “هنالك فراغ على مستوى الترسانة القانونية المنظمة لمجال صناعة المحتوى بالمغرب”

سجل وزير الثقافة والشباب والتواصل المهدي بنسعيد، في جوابه على أحد الأسئلة الشفهية داخل قبة البرلمان، كون لإجراءات التي ستتخذها وزارته للتصدي لمضمون بعض الفيديوهات المسيئة، إن التشريع المغربي ينظم ما يُنشر على وسائل الإعلام المكتوبة والإلكترونية والقنوات الإذاعية والتلفزيونية، ولا يشمل مواقع التواصل الاجتماعي، وأي محتوى ينشر على منصات التواصل الاجتماعي ويحتوي على سب أو قذف أو تحريض على الكراهية، فالمتضرر يجب عليه التوجه للقضاء حصرا، قائلا: “المشرع المغربي جعل هذه الجنح من الاختصاص الحصري للسلطة القضائية، التي يمكنها أن تحرك المتابعة القضائية إذا رأت تجاوزات من هذا القبيل في هذه الفيديوهات بناء على شكاية من المتضررين”.

ان صناعة المحتوى بالمغرب توجد خارج الاطار التشريعي، ما يجعل المجال في “فوضى” واستسهال مع ما يتم تمريره من أفكار ورسائل، خاصة كون هذه المحتويات هي معروضة بشكل عام وليس هنالك ما يجعلها حصرا على فئة عمرية محددة.

يرى الأستاذ مهدي الودي، محامي بهيئة الرباط، أن صناعة المحتوى نشاط أقبل عليه الشباب المغربي اليوم كباقي دول العالم، وقد ساهم في ظهورها تطور مواقع التواصل الاجتماعي وانتشارهم، وهي كلها حديثة الظهور، لا يتجاوز عمرها العشر سنوات، في المقابل،يجب أن نتوفر اليوم على ترسانة قانونية تواكب التطورات الحاصلة في المجتمع، لتأطير الاشكالات القانونية المطروحة، خاصة على المستوى الرقمي.

ويضيف الأستاذ الودي لنقطة بريس: “على المستوى الوطني، نسجل نوعا من البطء في التعاطي مع الاشكالات القانونية الجديدة كالجريمة الالكترونية وغيرها التي جاءت نتيجة التطورالتكنولوجي الذي يشهده المجتمع، وصناعة المحتوى كذلك تدخل ضمن هذا الاطار، حيث نسجل فراغا على مستوى الترسانة القانونية المنظمة لهذا المجال بالمغرب، على الرغم من أن عدد لا يستهان به من الشباب المغربي ذهبوا في اتجاه صناعة المحتوى.”

وعلى الرغم من طبيعة المحتويات المعروضة على منصات التواصل الاجتماعي، والتي احيانا تكون لها تأثيرات سلبية وخيمة على المجتمع والجمهور الناشئ كالمراهقين المستعملين لوسائط التواصل الاجتماعي الا أنه لا توجد قوانين تعنى بتأطير هذا الفضاء، “يجد رجال القانون من محامين وقضاة اليوم انفسهم أمام مشاكل جديدة غابت عن المشرع المغربي وبالتالي يستعصى عليهم كيفية التعامل مع القضايا التي تدخل ضمن هذا الاطار” يردف الأستاذ الودي.

خلق تشريعات قانونية مؤطرة لصناعة المحتوى: حماية للمجتمع أم تضييق لحرية التعبير؟

لم يتوقف النقاش حول حدود تدخل القانون المغربي في ما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي من تدوينات ومحتويات سمعية بصرية، خاصة والجدال الكبير الذي خلقه مشروع قانون قدمه حزب العدالة والتنمية في ولايته، والذي أطلق عليه ناشطون حقوقيون “قانون تكميم الأفواه” والذي نصت إحدى مواده على أن كل من قام عمدا بالدعوة إلى مقاطعة بعض المنتوجات والبضائع أو الخدمات أو القيام بالتحريض علانية على ذلك، عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو شبكات البث المفتوح، يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من 5000 إلى 50000 ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط.

العقوبة نفسها ستطال أيضا، حسب ما جاء في المادة الـ15 من نص المشروع، من قام عمدا بحمل العموم أو تحريضهم على سحب الأموال من مؤسسات الائتمان أو الهيئات المعتبرة في حكمها، بينما يعاقب من بث محتوى إلكترونيا يتضمن خبرا زائفا من شأنه التشكيك في جودة وسلامة بعض المنتوجات والبضائع وتقديمها على أنها تشكل تهديدا وخطرا على الصحة العامة والأمن البيئي، بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من 2000 إلى 20 ألف درهم.

وحسب حمزة الأنفاسي، صحافي وناشط حقوقي، خلق تشريعات قانونية مؤطرة لمهنة صناعة المحتوى هي خطوة محمودة، تحمي صانع المحتوى والجمهور المتلقي والمجتمع والمشرع.

ويضيف المتحدث: ” هنالك بعض الجرائم التي يقوم بها صناع المحتوى و يعاقب عليها القانون الجنائي اذا ما تم ارتكابها على ارض الواقع، وبالتالي اذا تم بث أي محتوى يوحي الى ارتكاب مخالفات من قبيل التحريض على العنف ضد أقلية اثنية أو دينية أو جنسية اونشر لخطاب الكراهية …فهي جرائم يجب ان يؤطر لها المشرع”

وحسب الأنفاسي لنقطة بريس، فإذا كانت هذه القوانين فضفاضة وتمس جوانب لا علاقة لها باطار تنظيمي او قانوني او جانب مؤطر للجرائم فانها ممكن ان تتحول الى عائق لممارسة حرية التعبير بالمغرب لكن مادامت داخل إطارتشريعي من اجل تأطير وتوضيح ما هو مسموح به وحدوده، فالأمر يصب في مصلحة صانع المحتوى نفسه، كما أن هذه القوانين يجب أن تأتي في اطار توافقي بين المشرع والمجتمع المدني والأحزاب السياسية وكذلك صناع المحتوى وفاعلين اخرين فانني اظن انها ستكون قوانين غير كابحة لحرية التعبير.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مدير الموقع

المنشور السابق

أمير المؤمنين يترأس اليوم الأحد إحياء ليلة المولد النبوي الشريف بمسجد حسان بالرباط

أعلنت وزارة القصور الملكية والتشريفات والأوسمة أن أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره…

4 أيام منذ

المغرب..توجه عام لتقييد استخدام القاصرين لمواقع التواصل الاجتماعي

تتجه المملكة المغربية لتقييد استخدام القاصرين لمواقع التواصل الاجتماعي، وأكدت الأغلبية الحكومية استعدادها لمناقشة تشريع…

6 أيام منذ

وزارة الصحة والحماية الاجتماعية تُعلن عن تسجيل حالة إصابة مؤكدة بجدري القردة

في إطار المنظومة الوطنية لليقظة والرصد الوبائي، وتنفيذاً لسياستها التواصلية، تُعلن وزارة الصحة والحماية الاجتماعية…

7 أيام منذ

اجتماع اولي لتفعيل الشراكة بين جامعة محمد الخامس والمجتمع المدني بالداخلة للاستفادة من دورات تكوينية حول قضية الوحدة الترابية.

في سياق التحضير للشراكة بين جامعة محمد الخامس والمجتمع المدني بالداخلة استقبل السيد فريد الباشا…

أسبوع واحد منذ

المجلس الاقليمي لوادي الذهب يعقد دورته العادية لشهر شتنبر

بقاعة الاجتماعات الكبرى بولاية الداخلة، عقد المجلس الاقليمي لوادي الذهب، يومه الاثنين 9 شتنبر 2024…

أسبوع واحد منذ

لجنة منبثقة عن مجلس جهة كلميم واد نون تقف على حجم الخسائر التي خلفتها الفيضانات الأخيرة بالجهة

بتعليمات من السيدة رئيسة مجلس جهة كلميم واد نون، انتقلت يومه الأحد 08 شتنبر 2024…

أسبوعين منذ