روبورتاج

النساء المطلقات في عين المجتمع المغربي

المرأة المطلقة..ضحية مجتمع لا يرحم

يُنظر إليها كوصمة عار، يشفق عليها العديد من الناس وصورة نمطية لا تزال ترافقها بعد الطلاق.. تجربة مؤلمة تحول حياة المرأة المطلقة في المغرب إلى جحيم، تأثيره السيء يقع عليها وحدها، وذلك رغم أن الطلاق مباح شرعا وقانونا.

الطلاق – ظاهرة اجتماعية توجد في جميع المجتمعات. لكن في مجتمعات كمجتمعنا، عادة ما تتحمل المرأة صعوبتها أكثر من الرجل بسبب ضغط المجتمع عليها، والنظر إليها نظرة دونية. تصرفاتها وتحركاتها تصبح تحت المجهر، يراقبها محيطها في تفاصيل سلوكاتها، كما أن المطلقة تعتبر هي المذنبة في عين المجتمع المغربي، نظرا لـ “فشلها” في إنجاح العلاقة مع زوجها، وفي الكثير من الأحيان تلتف، حولها إشاعات مشبوهة جارحة.

يبقى الطلاق تجربة مريرة بالنسبة للمرأة المغربية، فهي معرضة لشتى أنواع وأشكال العنف والتحرش الجنسي، يعتبرها البعض بمثابة بضاعة مستعملة وفريسة سهلة. حتى إذا كان قرار الطلاق يتخذه الرجل كما يمكن للمرأة أن تطالب به، إلا أن المجتمع يكون نوعا ما متسامحا مع الرجل المطلّق. هكذا تجد المرأة المطلقة نفسها في مواجهة مع نظرة المجتمع، وعدم تقبل عائلتها لطلاقها، بسبب الخوف من ردة فعل الأقارب، هذا ما يجعل الكثير منهن يصبرن على الظلم والعنف ويضحين بسعادتهن مقابل عدم تهكم الناس عليهن.

هدى، شابة مغربية ثلاثينية، تنحدر من مدينة سلا. تزوجت في عمر الزهور زواجا عن حب، ظنا منها أن هذا الزواج هو الحل الوحيد لديها للخروج من ضغط أسرتها التي كانت تشجعها على اتخاذ ذلك القرار.. تقول هدى إنها، بعد سنوات من زواجها، وجدت نفسها مسؤولة عن طفل، تقوم بمهام الأب والأم، بالموازاة مع عملها كمهندسة، تزاوج بين البيت والعمل وتواجه كل التحديات في سبيل توفير عيش كريم لطفلها ولعائلتها.

تحكي هدى، ونبرة صوتها تحيل على غصة في قلبها، “انطلقت المشاكل مع طليقي بعد ولادة طفلي بثلاثة أشهر.. كان يعاملني بقسوة ويحسسني بكل مشاعر الحزن والقلق.. بعد أشهر قليلة من الحياة الزوجية، اكتشفت أن زوجي كان يخونني مع امرأة كنت أظنها زميلة له في العمل، لكن الحقيقة لم تكن كذلك”. تضيف هدى، “طليقي ظاهريا، كانت فيه كل الصفات الإيجابية التي تحلم بها كل فتاة مغربية، لكنني وبعد أن اكتشفت حقيقته، أدركت أنني كنت أعيش في حلم واستيقظت منه بعد فوات الأوان”. “كان يسيء معاملتي ويفقدني ثقتي بنفسي. يعنفني جسديا ومعنويا لأتفه الأسباب. لم أتحمل جحيم العيش معه، فقررت أن أعول على نفسي، لأركز أكثر على مستقبلي والاعتناء بطفلي الذي يبلغ من العمر الآن 6 سنوات، أجتهد في عملي وأطور من قدراتي. طفلي هو ثمرة زواجنا الذي لم يكن مبنيا على الميثاق الغليظ”، مبرزة أنها، دخلت في الاكتئاب بسبب المستقبل المجهول، إلا أن إيمانها القوي ساعدها على تجاوز هذه المحنة والتأكد من أن قرار الطلاق كان صائبا.

مطلقات متاحات للجميع…

عندما ذهبت هدى (32 عاما) إلى محكمة الأسرة كي تطلب الطلاق، تعرضت للتحرش من لدن بعض موظفي المحكمة، الشيء الذي لم تكن تتخيل وقوعه، كما واجهت العديد من المحاولات الفاشلة في استدراجها للوقوع في فخ العلاقات الجنسية غير المرغوب فيها، في عدد من المرافق والإدارات العمومية، حيث قالت بنبرة ساخرة: “بعد خروجي من جلسة الصلح، عرض عليّ شاب كان متواجدا داخل المحكمة إقامة علاقة جنسية معه. غير معقول كيف ينظر الرجال إلى المرأة المطلّقة، يعتبرونها سهلة المنال، أي لا حرج لدى المطلقات في إقامة علاقة جنسية وليس لديهن ما يخسرنه بعد حصولهن على أوراق الطلاق”. مضيفة: “أعطاني الله الثبات والقوة كي لا أقع في هذا الفخ، كما أن التربية التي منحتني إياها أسرتي لا تسمح لي بالطعن في القيم والمبادئ الدينية والمجتمعية”.

تجاوزت هدى محاولات التحرش في الشارع والإدارات والمرافق العمومية، وتصادفت مع متحرشين في الإقامة السكنية حيث تقطن. تقول هدى في هذا السياق: “كنت دائما محط أنظار جيراني، الكل ينظر إليّ نظرة دونية، تلك المرأة الوحيدة التي تسكن مع طفلها فقط. أصبح الطلاق يُقيّد تصرفاتي وتحرّكاتي داخل البناية، كما أن الخروج بحرية وفي أي وقت لم يعد مسموحا لي وفي حالة ما إذا رغبت في مغادرة المنزل رفقة صديقة لي سيتّحِد جيراني لمهاجمتي. وأضافت: “تعرضت للتحرش من أحد جيراني، هذا الأخير متزوج وأب لطفلين، إضافة إلى خوف النساء المتزوجات القاطنات في العمارة مني كي لا أتقرب من أزواجهن”.

في هذا السياق، قال محسن بنزاكور، دكتور في علم النفس الاجتماعي إن “الطلاق، يفضي بالضرورة إلى التشتت الأسري والمعاناة، سواء بالنسبة للزوجة أو الزوج، لأن الغرض الأساسي من الزواج ليس هو الطلاق وإنما هو بناء الأسرة والاستقرار والمساهمة في بناء المجتمع”. وأضاف في ذات السياق أن “المجتمع المغربي لا ينظر للمرأة المطلقة بنفس الطريقة التي ينظر بها إلى الرجل بعد الطلاق، أي أن هناك فارقا كبيرا بين تمثُّل المغاربة للمطلّق وللمطلّقة، والخطير في الأمر أن المرأة المغربية دائما ما يُنظر إليها نظرة انتقاص من قيمتها وعجزها وربما يشكك حتى في شرفها، والسبب في ذلك هو تلك النظرة الذكورية التي تعتقد أن المرأة لا تستطيع أن تحمي نفسها وغير قادرة على أن تكون لها الاستقلالية والحضور الكافي وإثبات الذات، وبالتالي لا تتحقق هاته الأمور إلا من خلال الرجل، وهذا ضغط آخر من الضغوط التي يمارسها الفكر الذكوري على المرأة حتى تستسلم بشكل أو بآخر للتنازلات”.

وأشار بنزاكور إلى أن “صورة المرأة المطلقة في المغرب هي صورة دونية، على أساس أنها فاشلة وغير قادرة على تحمل المسؤولية. لكن، في المقابل، نرى أن المرأة المطلّقة الصحراوية، يتم استقبالها بكثير من الفرحة وسط أغان وأهازيج احتفالية كونها استرجعت حريتها بعد الطلاق وعادت إلى أسرتها مرفوعة الرأس، وبالتالي تبقى مكانتها محفوظة”.

وأضاف الدكتور محسن بنزاكور أن “المجتمع المغربي لايزال ينظر إلى المطلقة تلك النظرة الناقصة، إضافة إلى نظرة الأقارب المسيئة وأحيانا نظرة أسرتها الصغيرة التي تصبح تمارس عليها الحصار كونها أصبحت “مشبوهة”، كما أن خروجها من المنزل يجب أن يكون باستشارة الأب أو الأخ الأكبر، والتحكم في جميع قراراتها”.

صدمة الطلاق

أكدت وفاء بوريكة، باحثة في علم الاجتماع، أن “مكانة المرأة في المجتمع عرفت الكثير من الازدهار مقارنة مع السابق، بفضل الكتابات السوسيولوجية واهتمام الحقوقيات المغربيات كفاطمة المرنيسي، عائشة الشنا وسناء العاجي وغيرهن، بالإضافة إلى النضالات المستمرة للحركات النسائية في المغرب التي قاومت العقليات الذكورية التي تستصغر المرأة وتُنقّص من قيمتها”؛ وأضافت أن “المرأة المطلقة “مفعول بها” في المجتمع المغربي، أي أنها تواجه الانتقادات من كل الجوانب، من أسرتها وصديقاتها وجيرانها، وبالتالي يجب على المرأة المغربية أن تقدّر ذاتها وأن تتخلص من تلك النظرة الدونية التي توجهها لنفسها، وأن تؤمن بذاتها وإمكانيتها وتتجاهل كل الأفكار النمطية التي تلتفّ حولها، إذ يجب أن تعتبر الطلاق مجرد تجربة في الحياة”.

تساهم النساء أحيانا حسب بوريكة، الباحثة في علم الاجتماع، في ترسيخ تلك الأفكار الذكورية كما أن الأسرة المغربية تعتبر المرأة التي تعود إلى بيت والدها “وصمة عار” كونها لم تستطع الحفاظ على أسرتها كما أنها تتعرض أحيانا إلى اللوم من طرف أمها لأنها تركت بيت زوجها وعادت للعيش في بيت العائلة”. مشيرة إلى أن “الأسر المغربية، يجب أن تعيد النظر في تعاملها مع المرأة المطلقة وأن تحتويها لكي تتجاوز صدمة الطلاق، لأن هذا الأخير، تجربة اجتماعية قاسية جدا لها مخلفات نفسية خطيرة، بالإضافة إلى محيطها الذي ينظر إليها كفريسة سهلة المنال أو كسلعة جنسية رخيصة “.

آثار سلبية على نفسية المرأة المطلقة

يؤثر الطلاق بشكل كبير على نفسية المرأة، فتنتابها الكثير من الأفكار السلبية بشأن مستقبلها الأمر الذي يسبب لها الشعور بالاكتئاب والحزن وفقدان الأمل، كما أنها تشعر بالإحباط بسبب حرمانها من أطفالها في بعض الحالات ودخولها في مشاحنات قانونية، وتنعدم ثقتها بنفسها بسبب فشل تجربتها الزوجية بعد الطلاق، فتلجأ الكثير من المطلقات للانطواء على النفس.

في هذا السياق، أكد ياسين حكاّن، باحث في علم الاجتماع بجامعة ابن الزهر أكادير، أن “المرأة التي تتميز بشخصية قوية لا يمكن لنظرة المجتمع أن تأثر في نفسيتها. بالمقابل، هناك نساء أخريات يعانين بعد الطلاق بسبب نظرة محيطهن لهن، لكن لا يمكن أن نقول إن نظرة المجتمع المغربي للمرأة المطلقة هي نظرة دونية، أي أنه لكل منطقة عاداتها وتقاليدها، فالطلاق في الشمال يختلف عن الطلاق في جنوب المغرب. كما أن الطلاق يمكن أن يكون نقطة تحول إيجابية بالنسبة للمرأة يساعدها على التميز وتغيير حياتها للأفضل”. وأضاف حكّان أن “تربية الأطفال على احترام المرأة وعدم التدخل في قراراتها الشخصية قد يكون حلا جيدا للحد من هذه الظاهرة مستقبلا”.

هدى وغيرها من النساء اللواتي يعانين من صدمة الطلاق، يحتجن إلى سنوات من الزمن حتى تخرجن من الأزمة التي يسببها الطلاق والتي تحتاج، أحيانا، إلى مواكبة خاصة ومساندة من قبل الوالدين والمحيطين بها.

بسردنا لحكايات نساء عانين من تبعات الطلاق ومن النظرة المجتمعية السلبية، فلا يجب أن نتغاضى أيضا عن وجود نساء وأسر تتحدين الصور النمطية وتؤمنّ بأن الطلاق قد يكون الحل الأنسب أمام حياة زوجية غير سعيدة.

 

 

 

مدير الموقع

المنشور السابق

أمير المؤمنين يترأس اليوم الأحد إحياء ليلة المولد النبوي الشريف بمسجد حسان بالرباط

أعلنت وزارة القصور الملكية والتشريفات والأوسمة أن أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره…

4 أيام منذ

المغرب..توجه عام لتقييد استخدام القاصرين لمواقع التواصل الاجتماعي

تتجه المملكة المغربية لتقييد استخدام القاصرين لمواقع التواصل الاجتماعي، وأكدت الأغلبية الحكومية استعدادها لمناقشة تشريع…

6 أيام منذ

وزارة الصحة والحماية الاجتماعية تُعلن عن تسجيل حالة إصابة مؤكدة بجدري القردة

في إطار المنظومة الوطنية لليقظة والرصد الوبائي، وتنفيذاً لسياستها التواصلية، تُعلن وزارة الصحة والحماية الاجتماعية…

7 أيام منذ

اجتماع اولي لتفعيل الشراكة بين جامعة محمد الخامس والمجتمع المدني بالداخلة للاستفادة من دورات تكوينية حول قضية الوحدة الترابية.

في سياق التحضير للشراكة بين جامعة محمد الخامس والمجتمع المدني بالداخلة استقبل السيد فريد الباشا…

أسبوع واحد منذ

المجلس الاقليمي لوادي الذهب يعقد دورته العادية لشهر شتنبر

بقاعة الاجتماعات الكبرى بولاية الداخلة، عقد المجلس الاقليمي لوادي الذهب، يومه الاثنين 9 شتنبر 2024…

أسبوع واحد منذ

لجنة منبثقة عن مجلس جهة كلميم واد نون تقف على حجم الخسائر التي خلفتها الفيضانات الأخيرة بالجهة

بتعليمات من السيدة رئيسة مجلس جهة كلميم واد نون، انتقلت يومه الأحد 08 شتنبر 2024…

أسبوعين منذ