حلم العبور للضفة الأخرى

هو عنوان لرحلة سفر شاقة انطلقت من مختلف البلدان الإفريقية الغارقة في ظلمات الحروب والجوع وانهيار الأنظمة صوب ما صار يعتبر بلدانا أكثر تقدما.. لكن سرعان ما انقلب هذا الحلم الى صراع مرير مع واقع تكاليف الحياة المعيشية، بعد الاستقرار الاضطراري في منتصف الطريق، حيث توافدت أعداد كبيرة من شباب ونساء هذه البلدان على المغرب باعتباره محطة عبور، بل وحتى قدوم أطفال صغار في سن الزهور، لتتحول وضعية هؤلاء إلى ظاهرة اجتماعية مؤرقة مرتبطة بموضوع الهجرة باتت تفرض تسليط أدوات البحث العلمي الدقيق، وذلك لتفادي آثارها السلبية خاصة على المستويين الأمني والاجتماعي.

إلا أن اللافت للنظر وخاصة منذ فترة استفحال وباء كورونا مطلع سنة 2019م هو الاستقرار الكبير لهؤلاء المهاجرين بمدينة طانطان، والسر في ذلك ما اعتبروه فرصة مادية سانحة أملتها تواجد العديد من الأحياء الشعبية الهامشية التي توفر لهم السكن بأثمنة جد بخسة مقارنة بباقي المدن الأخرى المجاورة، بالإضافة الى دخلوهم في بداية الأمر بعدد صغير لينتهي المطاف بهم بأعداد كبيرة قد تفرض على صاحب البيت سلك المساطر القانونية لإفراغهم، وما يتطلب ذلك من معاناة في دروب القضاء قد تصل لسنوات، فما هي أبرز الملامح العامة التي شكلت تواجد هؤلاء المهاجرين بإقليم طانطان ؟

إن الملاحظ بالعين المجردة البسيطة حول ظاهرة الهجرة هذه هو ارتفاع الطلب على الكراء لأغلب المنازل القديمة التي كان أغلبها مقفول نظرا لهشاشة بنيته، فإذا بهؤلاء الأفارقة يتخذونها مسكنا بالعشرات، حتى أن بعض المنازل التي كانت محسوبة قديما على دور الدعارة في العشرية الماضية تحولت مع هؤلاء الى مساكن استقرار، والغريب هو عيشهم بالعشرات ضمن هذه المنازل مما يصعب من عملية فرز القاطنين الأصليين. والسر في ذلك -حسب تصريحات العديم منهم- هو اختبائهم وهروبهم من عيون الأمن التي تراقب تحركاتهم، ناهيك عن الآثار الاجتماعية التي تركها هؤلاء من خلال إعادة نشر قيمهم ضمن أحزمة البؤس وهوامش الأحياء من خلال الترويج لأدق تفاصيل حياتهم اليومية، عبر مظاهر الملبس غير المحتشم في الغالب وثقافة السكر العلني وما يصاحبه من ممارسات مشينة، الأمر الذي انعكس مباشرة على الجيران خاصة عندما باتوا يشكلون قوة بشرية ضخمة تعمل على استظهار وتفريغ شحناتها على المستوى العام، سواء في الشارع أو بملاعب الأحياء الشعبية وحتى عند أماكن اقتناء المواد الأولية بدكاكين هذه الأحياء وهو ما كان من نتائجه السلبية انفجار العديد من الظواهر السلبية الأخرى من خلال الجلوس مجموعات متفرقة على جوانب الطرقات، وقد يتطور الأمر الى انتاج العنف المادي من خلال حالات الشجار الحاد في ما بينهم تستعمل فيه مختلف الأدوات والأسلحة البيضاء، أو في حق الساكنة من خلال رفض البعض منهم أداء مستحقات الكراء أو سومة الكهرباء والماء التي بذمتهم ناهيك عن امتهان البعض الآخر منهم للاحتيال والنصب بطرق جد متطورة، كما كشفت ذلك كاميرات المراقبة في العديد من المحلات التجارية بالمدينة، وكذا تصريح بعض النسوة كما عاين ذلك شهود عيان بالتحرش الجنسي من قبل بعض هؤلاء الذين كنا نعدهم عابري سبيل، الأمر الذي صار ينهي تلك النظرة الإنسانية التي كانت الساكنة المحلية توليها لهؤلاء، مما جعل الكثير من هؤلاء المهاجرين يحاولون التغطية على ذلك من خلال ادعاء انتمائهم لبدان مسلمة معروفة بسجلها الأخلاقي الطيب (السنغال، السودان..).

في كلمة واحدة، ونحن في مدينة تكابد أصلا من ظواهر اجتماعية عديدة أبرزها ارتفاع معدلات الفقر وانفجار بؤر العنف والاتجار في المخدرات وشبه انعدام فرص الشغل، بالإضافة الى ضعف البنية التحتية وارتفاع نسب البطالة وغياب الاستثمار و التشغيل، مما جعل الزمن والحركة شبه متوقفين بهذه المدينة اللهم بعض المصانع الخاصة بقطاع الصيد البحري سواء بميناء مدينة الوطية أو عند مدخل مدينة طانطان، ليكتمل المشهد أكثر قتامة ودراما سوداء حين انضافت له مشاكل توافد المهاجرين الأجانب بشكل مثير، وما جلبوه معهم من قيم سلبية دخيلة على المجتمع المغربي باتت تكلفتها الأخلاقية باهظة الثمن، بلغت حد امتهان الهجرة السرية والدعارة وصراع عصابات التهريب في البشر.. مما أسقط عن هؤلاء شماعة ترويج الحلقة الاقتصادية للمدينة، إذ انقلبت هذه العجلة الى كابوس مفزع يحمل كل مؤشرات استفحال الظواهر الاجتماعية المشينة ما لم تسارع الجهات الوصية لمحاصرة ذلك، وذلك عبر مراقبة هذا الوضع عبر تقديم بدائل استعجالية واستشرافية من شأنها معالجة هذه الفئة التي اختارت أن تصير في مدينة العبور جزءا من المجتمع المحلي.