الحياة الاقتصادية بمنطقتي الساقية الحمراء ووادي الذهب

تأتي دراستنا هذه لتقديم مقاربة علمية حول أبرز مظاهر الحياة الاقتصادية التي شهدتها منطقتي الساقية الحمراء ووادي الذهب الواقعة ضمن مجال الجنوب المغربي، حيث يتميز هذا المجال بغنى متنوع شمل مختلف المناشط الاقتصادية على الرغم من قساوة الظروف الطبيعية التي تعرفها دواخل صحراء جنوب المغرب، الأمر الذي حفزنا إلى البحث العلمي الدقيق حول بعض مظاهر هذه الثروات، مسلطين الضوء على موضوع الحياة الاقتصادية بمنطقتي الساقية الحمراء ووادي الذهب، وذلك سعيا منا لمواصلة خدمة البحث العلمي والأكاديمي حول هذا المجال.

أن المجتمعات الرعوية غير محكومة بنمط معيشي واحد قائم على الترحال، بل يجمع بين نشاطات مختلفة كالصيد والزراعة والتجارة.. بينما محاولة اختصار المجتمعات التي تزاول الرعي الترحالي في العوامل البيئية وفقط من شأنه أن يحجب عنا طبيعة نظامها الاجتماعي والسياسي، وعندما نتحدث عن المجموعات القبلية الرعوية بمجال الدراسة لابد لنا من الرجوع لبنياتها الاجتماعية والسياسية، حيث أن هناك علاقة وطيدة بين التصورات الاجتماعية التي يفكر بها الرحل ومختلف هذه البنى، كما أن شروط الرعي لا تخضع لديها لحالة دورية دائمة تنظم سيرها، بل تكون فترات الأزمات (الحروب، الجفاف، الخوف..) متحكمة هي الأخرى في تنظيمها الخاص.

بناء على ما سبق، سنتطرق لبعض الجوانب من الحياة الرعوية التي كانت سائدة بمنطقة الدراسة زمن البداوة والترحال، محاولين معرفة ما شملها من تغيرات خاصة بعد إقامة الأهالي واستقرارهم بالمدن، ذلك أنه كان آنذاك “قد يخطئ القائل في إطار الدورة الرعوية بأن الحيازة على امتلاك الماشية هو عبارة عن اقتصاد مغلق. ذلك أن إحدى مظاهر المجتمع الصحراوي الأكثر بروزا هي قوتها التجارية.. فالرعي والمعركة والتجارة هو الثلاثي الأساس في الاقتصاد الصحراوي” ، كما أن الحياة الاقتصادية للرحل بمجال الدراسة زمن البداوة كانت قائمة على نظام التنقل الدائم الذي يفرضه الترحال، مما جعلهم يسمون أنفسهم “أهل رحالة” أو “رحالة”، كما يوظفون الاسم الخاص بالعربية الفصحى “أهل بوادي” حيث ينمون ثلاثة أصناف من الماشية:

– الجمال.

– الماعز.

– الأغنام.

ويعد صنف الجمال الأكثر تكيفا مع نمط العيش في الصحراء نظرا لطبيعة بنيتها الفيزيولوجية، فخلال فصل الصيف تكون الذكور منها “جمل” ويجمع على “جمال” والإناث “ناكة” وتجمع على “نياك” قادرة على أن تبقى دون شرب لمدة خمسة أيام، وذلك مع إمكانها الاستمرار في العمل والترحال، أما إذا بقيت هذه الماشية في حقل معين تأكل العشب الخاص بالفصل فإنها تتحمل العطش لمدة خمسة عشر يوما، وإذا حصل لها العشب المعروف محليا ب “أحشيش” فإنها تتحمل العطش لمدة عشرين يوما، وأما في فصلي الشتاء والخريف فيكاد الرحل لا ينشغلون بالماء ما دامت هنالك مراع خضراء، إلا أن الثابت من هذا هو وجود فترات من الزمن تلتقي فيها ندرة العشب والمياه مما خلق أزمات حقيقية للرحل (سنوات الجفاف بداية من سنة 1947م والسنوات الموالية)، وطالما كان العشب مخضرا فإن الرحل يقطنون بعيدا عن الآبار حيث يتزودون عادة بالماء من البرك ومن الخزانات والآبار المائية، حيث يبعثون بشاب من المخيم إلى بئر غالبا ما تبعد عنهم بخمسين كيلومتر أو أكثر مع عدد من الجمال تحمل “الكرب” اللازمة، وعادة ما يحمل كل جمل أربعة “كربات” تسع كل واحدة منهم أربعون لترا تقريبا من الماء، وفي بعض الأحيان يوظفون الحمير للغرض ذاته، غير أنه ليس هناك من دابة تتحمل تأثير الحرارة المفرطة في الصحراء أكثر من الجمل.

واعتبارا لكون الرحل رعاة متمرسين فهم يقومون بتمييز طبيعة الأرض وجودتها رعويا، وهنا نجدهم يضربون مثلا شعبيا حول جودة أرض “تيرس” وحسن مراعيها وسرعة نمو إبلها قائلين: “خمس انياك وامخول، وخمس آليال وتحول، فخمس عيمان أتمول”، كما يميزون عناصر قطعانهم بدقة فائقة، وذلك من خلال اعتمادهم معيار عمر الجمل ولونه وحجمه وحالته من الجانب التناسلي، وبذلك فهم يميزون بين الجمال الكاملة “اجمل” والجمال الذكور المخصي “أزوازيل”، وأما الجمال المسماة ب “اجهل” والتي تستعمل للإخصاب أو كمطية في الأوقات الباردة، فهي أقل مقاومة لبعض المهام مقارنة ب “أزوازال” الذي يتم الاعتماد عليه حتى خلال أشهر الصيف الحارة، كما أن الجمل الذكر كيف ما كان نوعه لا يستحمل ذكرا آخر معه في القطيع، وخلال فترات المعاشرة عادة ما يظهر غضبه حتى أمام الجمال من نوع “أزوازيل” والتي غالبا ما تكون أكبر حجما، ومن المهم أن “نشدد على هذه المعطيات الكمية وعلى الحوارات المطولة و الساخنة التي دارت بين عدة أشخاص حول الماشية وبيعها وشرائها، وهي التي استخرجنا منها الخلاصات التالية:

• أزوليل: وهو قطيع من 05 إلى 10 رؤوس حسب بعضهم ومن 05 إلى 15 رأس حسب آخرين.

• كطع: وهو قطيع من 15 إلى 30 أو 40 رأس حسب بعضهم وأقل من ذلك حسب آخرين.

• أكليف: قطيع من 30 إلى 40 رأس حسب بعضهم وأقل من ذلك حسب آخرين.

• آعصات إبل: ويدل بكل بساطة على قطيع الإبل، وهو أكبر عدد من رؤوس الجمال التي يستطيع شخص رعيها، ويصل عددها إلى 70 رأس” .

• كما تم وصف الإبل شعريا من خلال ترتيبها “صيدح سابك، ناك عشر، ناك شايل، ناك لكح” ، “جدع، حك، بنت لبون، كعس، مخلول، بنت اعشار”، “ابن اعشار ، احوار، ءامخلول، اكعود”.

وإذا كان مالك الإبل يزاول مهام النقل فإن عدد الجمال لديه تكون أكبر من عدد النوق (30 مقابل 01) والأمر نفسه إذا كان يمتهن الفلاحة، وأما إذا كان يزاول تنمية قطعان الإبل باعتباره كساب أو رحال فغالبا ما تكون عدد نوقه أكبر من عدد الجمال (01 مقابل 03)، ولذلك نجد أن الناقة لدى مجتمع الدراسة كانت تشكل مركز الاقتصاد الرعوي، حيث لا يقتصر دورها على الإنتاج الخاص بمادة الحليب أو الإنجاب، بل إنها توظف كذلك أحيانا في حمل الأمتعة، وهكذا نجد أن “الغنم لا تحظى باهتمام كبير ليس في الاقتصاد في الصحراء فقط بل حتى ما يمكن أن نطلق عليه تقدير الرحل” ، وهي وإن كانت لا تحضى بالتقدير نفسه الذي يحضى به الجمال فإنها تخضع بالرغم من ذلك لتصنيفات مختلفة، من خلال تحديدها بناء على أعمارها وأعدادها، وهي معايير تؤخذ بعين الاعتبار ليس فقط ضمن ميدان المتاجرة بها، وإنما أيضا عند تحديد المبلغ المالي المفروض على كل مسلم دفعه (الزكاة)، وتصنف محليا إلى ما يلي:

“أشياه: وهو مجموعة من 03 إلى 04 أو 05 من رؤوس الماعز.

كلفة: مجموعة من 05 إلى 20 من رؤوس الماعز.

آكز: مجموعة من 20 إلى 30 من رؤوس الماعز.

آغنم: مجموعة من 40 فأكثر”.

ومن المعتاد أن يمتلك الرحل بمنطقة الدراسة عددا من رؤوس الماعز مع رؤوس الجمال حتى يكتمل الإطار الاقتصادي، وعندما يتعلق الأمر بالماشية الصغيرة “لغنم” فيتم تحديدها بناء على أنواعها فتسمى الماعز “كحال” نسبة إلى لونها الأسود، في حين أن رؤوس الغنم توصف ب “ابياض” نسبة إلى لونها الأبيض، ويتم ربط رؤوس الشياه عادة من جانب الأرجل نظرا لقوتها أما الماعز فتربط من رأسها، وأما عملية الحلب فنجد أن المرأة تقوم بحلب الماعز بينما يحلب الرجل النوق، حيث جرت العادة أن تكون النساء هن المكلفات بجمع الحطب اللازم لإيقاد النار وإعداد الطعام اليومي، بينما يتكلف الرجال بجمع الحبوب والأعشاب ك “أفز” و “أكامس” و”أنافس”..

كما تتم عملية جز الماشية خلال فصل الربيع حيث توظف لهذا الغرض أداة تشبه منجلا صغيرا وتسمى “لمزيز”، وتستهل هذه العملية من قبل شخص محدد سلفا حيث يتم جز الأغنام كلها مرة واحدة من أولاها إلى آخرها، وليس من المهم أن تجز كلها مرة واحدة، وقد يضطر بعض أفراد القبيلة نظرا لمحدودية إمكانياتهم المادية إلى طلب مساعدة الآخرين من قبيلته، والشخص الذي يطلب هذه المساعدة وهو عادة رب أسرة يسمى ب “آمتوز”، ويطلق على عملية المساعدة هذه والتي يقوم بها في الغالب أفراد القبيلة القاطنين في مجال محدود ب “التويزة”.

وغالبا ما تعمل العائلات الثرية بمنطقة الدراسة على تكليف مهام رعي المواشي الى رعاة يعيشون في معزل عن المالكين مقابل أجر محدد، ويتم تكليفهم كذلك للتأكد من أخبار المراعي وأماكن تساقط الأمطار، حيث يشكل كراء راع محترف أمرا ينم عن الغنى والمكانة الاجتماعية المرموقة، ويطلق على الماشية التي تكون في الترحال مع الرعاة لوحدهم بتسمية “كسيبة” أو “آعزيب”، وبذلك يعد الرجل الذي يمتلك 25 رأس جمل ضمن “الطبقة الوسطى” في الصحراء، ومن يمتلك 50 رأسا فهو غني ومن يمتلك 100 رأس أغنى من ذلك، بينما من يمتلك أكثر من 200 رأس يعتبر من أغنى الأغنياء، وأما أولئك الذين لا يتوفرون على شيء بالإضافة إلى الفقراء ذوي جمل أو جملين فإنهم يستفيدون من “الزكاة”.

واليوم نرى أنه مع استقرار شبه نهائي للرحل بمجال الدراسة بالتجمعات السكنية المجاورة نتيجة للقطيعة التي أحدثها الاستعمار الاسباني في المكونات الصحراوية ذاتها، ومع ما وفرته الدولة بعد استرجاع هذه المناطق من أسواق دائمة بهذه الحواضر الجديدة، تتيح الحصول بسهولة على مواد لا تصنع غالبا في الصحراء، الأمر الذي جعل من الحياة الرعوية مقارنة مع الفترات الماضية في تحول ملحوظ إذ صارت “تجارة رعوية” بدل نمط عيش دائم، وبذلك يمكن أن نتحدث راهنا عن “أفول النمط الاقتصادي الرعوي بسبب تحول المجال من فضاء إنتاجي إلى آخر للضبط قد أدى بأفراد القبيلة الى التفكير في بدائل اقتصادية” ، مما خلف أثرا عميقا في نفوس البدو الرحل خاصة فئة المسنون الذين لازالو يتذكرون بكثير من الحنين تلك الفترات الترحالية، وهو ما يدفعنا الى التساؤل عن مدى قدرة الصحراويين اليوم بمجال الدراسة على تقبل واستيعاب التأثيرات الجديدة المرتبطة ببنيات تبلورت على الأنشطة المدنية بدل الأنشطة المتعلقة بالترحال والبداوة.

وختاما، أفضت مجموعة من العوامل أبرزها الهيمنة الاستعمارية على مجال الدراسة الى تغيير نمط عيش القبائل الصحراوية القاطنة بهذا المجال، مما أثر على مصادر اقتصادها خاصة النشاط الرعوي الذي كانت تزاوله، فنتج عن ذلك ما يمكن أن نسميه ب”أزمة الترحال” خاصة مع بداية عملية “الإستقرار”، هذه الإقامة التي لم تكن إرادية ولا نتيجة لتطورات طبيعية اقتصادية واجتماعية، وإنما في ارتباط مع دخول عامل “التغيير” الذي تجسد في لحظة الاصطدام بالاستعمار، الذي وضع حدودا جغرافية قيدت من هامش عمليات الرعي التي كانت مفتوحة ومن دون حواجز أمنية، الأمر الذي أفضى الى تشتت مختلف القبائل الصحراوية بين مجالات سيادية مختلفة، وبالتالي أفول وانهيار النمط الاقتصادي الرعوي، وعلاوة على المعطى الرعوي بمجال الدراسة، أعطى الموقع الجغرافي للمنطقة من خلال موقعها في المحيط الأطلسي مؤهلات تجارية وبحرية وسياحية، سنحاول التطرق لها هي الأخرى بالتفصيل.

وتقدر المساحة الإجمالية التي تشغلها المياه الإقليمية للمنطقة حوالي 150.000 كلم² متيحة بذلك حوالي 190 نوعا من الأسماك وعشرات الأنواع من القشريات والرخويات، ويشكل الصيد بمنطقة وادي الذهب نواحي سواحل الداخلة والرأس الأبيض أكثر سهولة من شمال المنطقة بمياه بوجدور وطرفاية، ويتراوح عدد السفن التي تمتهن عمليات الصيد بالمنطقة “بين 450 و800 سفينة حسب فصول السنة، كما أن معدل ما تصطاده كل سفينة هو ما بين 200 و450 كيلوغرام في اليوم” .

لقد مارست مجموعة من القبائل الصحراوية التي كانت تقطن بالسواحل الصحراوية نشاط الصيد البحري التقليدي (ايمراكن، مجاط، الشناكلة..)، في مقابل القبائل الصحراوية الأخرى التي اتجهت للرعي الظاعن في عمق دواخل الصحراء، غير أن هذا الوضع انقلب جذريا اليوم مع ما فرضته شروط التمدين وظروف الاستقرار على الجميع من البحث عن توفير سبل العيش، خاصة بعد أن أضحى قطاع الصيد البحري من أهم الثروات التي تذر أموالا طائلة بالمنطقة، وهكذا أضحينا نرى أفراد من مختلف القبائل الصحراوية تمارس نشاط الاشتغال في ميدان الصيد البحري، سواء عمالا في الأساطيل البحرية التي ترتاد أعالي البحار أو الاستثمار الخاص في هذا القطاع بعدما كان قطاعا هامشيا لدى ساكنة المنطقة.

كان نظام المقايضة هو الوسيلة المعتمدة في التبادل التجاري بين الأهالي، فقد “أظهرت قراءتنا للمصادر المحلية وتفحصنا لنصوص الرواية الشفهية أن هذه التجارة كانت قائمة على المقايضة وأنه كانت هناك مواد أساسية تلعب دور النقود في التبادل التجاري وذلك منذ القديم وأهمها البيصة (هي لفة القماش) ، حيث كانت النقود غير معتمدة في نظام التعامل التجاري بالمنطقة، إذ كان يتم التبادل بالمواشي والإبل مقابل شراء منتجات تجارية أو غذائية، و”كانت البضائع تتحرك بحرية من دون رسوم جمركية، من فاس ومراكش وكلميم إلى الساقية الحمراء ووادي الذهب، وكانت النقود قليلة جدا في هذه المناطق، الأمر الذي ولد عنه نظام تبادلي يتم عبر نظام المقايضة” ، وهو نفس الطرح الذي سجله لنا “الشيخ محمد المامي بن البخاري الباركي” قائلا بأن: “البلاد ليس فيها سكة (عملات)، وحدد لنا العروض التي تقوم مقام العملات في كل منطقة من مناطق البلاد كبني المخاض في أرض بني دليم، والأكسية في طورا، وكبني المخاض والغنم في ما بينها وبين القبيلة، وكالغنم والعروض في القبلة الغربية، وكعدائل الملح والدوائق في بعض البلاد الشرقية” .

النشاط الفلاحي بمجال الدراسة:

“ليست هناك فلاحة تقليدية مهما كانت متواضعة” بمنطقتي الساقية الحمراء ووادي الذهب، إذ كان نشاط الرعي هو المدخول الأساسي للمجتمع البدوي بهذه المنطقة، اعتبارا لنمط العيش القائم على الترحال الدائم، ولطبيعة المنطقة بيئيا واجتماعيا، حيث شكلت العوامل البيئية والمناخية بمنطقة الساقية الحمراء ووادي الذهب القاسية في مجملها والمتسمة بقلة التساقطات المطرية وتوالي سنوات الجفاف عاملا أثر على الفرشة المائية، وعلى جودة الأراضي الصالحة للزراعة، مما أفضى لندرة المياه وشحها وهو ما انعكس سلبا على قيام قطاع فلاحي واعد بالمنطقة، اللهم استغلال فترات تساقط الأمطار وسيل الأودية لزراعة بعض الحقول على ضفافها، لاستغلال إنتاج وجمع محصول زراعي غالبا ما يكون في شكل حبوب القمح والشعير والتي يتم تخزينها لفترات القحط والمصغبة، وهنا يطلعنا الباحث الاسباني “خوليو كارو باروخا” عن جانب من التقنيات الفلاحية التقليدية التي كان سكان الصحراء يوظفونها أثناء مباشرتهم لأشغال حرث حقولهم الزراعية، ف”كل الأشغال الفلاحية يتم بدؤها بالبسملة المتعارف عليها: “بسم الله”. وأول هذه الأشغال إثر الوصول الى الكرارة هو عملية قطع النباتات وحرقها (“لحريك”) ويحصل هذا عادة إذا ما مضى زمن طويل على حرث الكرارة.. بعد ذلك تأتي عملية الحرث، بعد زرع البذور، ينبغي الحرث في الاتجاه الآخر، وذلك قصد ضمان أن بدور الشعير قد دفنت في الأرض تماما” ، لتنتهي العملية بجني المحصول الذي غالبا ما يكون في شهر أبريل، بحسب طقس كل سنة ومدى تأثيره على نمو النباتات ونضجها، حيث تتم هذه العملية بواسطة “منجل مسنن” ، وهي من أصعب المراحل في عملية زراعة الحقول، وبعد عملية الحصاد تأتي عملية “الدرس” ولهذا الغرض يتم توفير فضاء دكت أرضيته، حيث تربط الجمال بعمود يتم تثبيته في محور الأرضية المخصصة لهذا الغرض، ويتم تمديد المحصول من حوله قبل بدء العملية، وبعد أن تدوس الحيوانات المحصول بما يكفي، تتم عملية فرز الحبوب عن “التبن”، معرضين المحصول للرياح مستعملين في رفعه “مدراة”، ليختم العمل بالاحتفاظ بحبوب الشعير علفا لقطعان المواشي، والتي غالبا ما تكون عبارة عن “مطامر” أي مخازن جماعية عبارة عن كهوف ذات مداخل جد ضيقة، وهذا “يعني أن كل مخزن يسمح بحفظ حبوب عائلات كثيرة.. وهكذا فلكل قبيلة أو فرع مخازنه التي تستدعي حراستها أن يستأجر رجل لهذا الغرض عندما يمضي أصحابها في الترحال” ، وتخرج الزكاة عن حبوب الشعير شريطة أن يفوق قدر المحصول مائة عبرة سنويا، أي أن إخراج الزكاة يفرض أن يكون مقدار المنتوج المحصود أكبر من ثلاث “كرارات” تم زرعها.

ويتضاعف استهلاك الأسر للشعير عشر مرات بسبب الجفاف وانعدام المراعي الخاصة بقطعان الابل والمواشي، ذلك أن “جفاف سنتي 1947 و 1948 والذي قضى على آلاف رؤوس الماشية، أثر كذلك على محصول الشعير الذي انخفض من 21,56 الى 8,86، ومن تم الى 6,95 وأخيرا الى 0,49″ ، وترافق موجة الجفاف هذا أمراض كالطاعون الذي نسج حوله سكان المنطقة معتقدات شعبية، حيث قاموا بتصنيفه الى تسعة أنواع، ومعتبرين بذلك الرقم تسعة رقما مشؤوما، معتقدين أن إحدى أنواع هذا الطاعون يأتي من ثلاثة حيوانات تأتي من السماء، وثلاثة تأتي من حيوانات تمشي على الأرض، وثلاثة تأتي بحسبهم من حيوانات تمشي تحت الأرض و”كان من الممكن أن يضاف شكل عاشر من الطاعون وهو الذي يشكله رجال آخرون يتربصون مستعدين للانقضاض على ثمار عمل وممتلكات الغير” .

لقد كانت الساكنة تتجه في تحصيل معيشتها اليومية على طول السنة نحو قطاع تربية وتنمية قطعان المواشي، معتمدين على نمط الترحال القائم أساسا تربية الإبل والماعز والأغنام، وعلى الرغم مما شمل نشاط الرعي بالمنطقة من تحولات فرضتها مرحلة الاستقرار ودخول البدو للحواضر والمدن، فان النشاط الرعوي لازال مستمرا وان ضعف بشكل كبير، على الرغم من كونه اليوم أضحى يمثل جزءا من التباهي الاجتماعي خاصة في مجال تربية قطعان الإبل، اعتبارا لكونه ظل يمثل جانبا من التراث الشعبي المحلي بالمنطقة.

مثلت تربية المواشي جانبا مهما في الدورة الاقتصادية للمجتمع الصحراوي، حيث تم استغلال النشاط الزراعي بالمنطقة بالرغم من اكراهاته نظرا لتواجد مناطق رعي شاسعة، من خلال إقامة زراعات موسمية تعتمد على فيض الوديان والتساقطات التي تدفع بالبدو الى زرع الحقول، ومع توالي سنوات الجفاف تضطر الساكنة للترحال بحثا عن الكلأ والماء، وهو ما جعل بعض الباحثين يطلق على الساكنة توصيف “رجال المزن”، كناية على تتبعهم وسفرهم الدائم بحثا عن الماء وتعلقهم بغيوم السماء المنذرة بتساقط الأمطار، وهو ما يساعد على توفير العشب والكلأ والماء لهم ولقطعانهم.

المبحث الخامس: مظاهر قطاع الفوسفاط بمجال الدراسة:

تسببت مجموعة من العوامل وراء مباشرة عمليات التنقيب عن الفوسفاط بمنطقتي الساقية الحمراء ووادي الذهب، لعل أبرزها تداعيات الأزمة الاقتصادية التي ضربت اسبانيا بعد الحرب الأهلية التي عرفتها، وما خلفته كذلك الحرب العالمية الثانية من نتائج كارثية على اقتصاد الدول الرأسمالية، فكانت الحاجة الى المواد الأولية والطاقات الطبيعية أمرا ملحا، خاصة الفوسفات الذي كان ضروريا في قطاع الزراعة اذ لا يمكن الاستغناء عن الأسمدة لضمان مردودية كبيرة، وبذلك تزايد الاحتياج العالمي للفوسفاط، مما حفز اسبانيا الى تكثيف عمليات التنقيب عن الفوسفاط بالصحراء منذ الأربعينيات، كما ساهمت بطالة اليد العاملة الخبيرة في الصناعات الفوسفاطية باسبانيا، وتزايد أثمان الفوسفاط في الأسواق العالمية انطلاقا من مستوى جودته.

إن معدن الفوسفات هذا الذي “يكتسي أهمية كبيرة بالنسبة للمستعمر الأوروبي، يكاد لا يعني شيئا، أو يعني على الأقل شيئا مختلفا، بالنسبة للرحل والرعاة في الصحراء” ذلك أن العشب والكلأ كان يكتسي للبدو بالصحراء أهمية قصوى، بالنظر الى شغفهم الدائم لتحصيله لضمان مصدر عيشهم القائم على تنمية قطعان المواشي والإبل.

“يشكل الفوسفاط ثروة مهمة في المنطقة الأمر الذي كان يعلمه الجنرال فرنكو، الشيء الذي أكدته زيارته للعيون سنة 1950م، ومن خلال هذه الزيارة إلتقى بعالم الجيولوجيا Manuel Alia Medina، والذي إكتشف معدن الفوسفاط سنة 1947م” ، وهكذا تم اكتشاف ثروة الفوسفاط بالمنطقة حيث وجد بجودة عالية، الأمر الذي أفضى إلى انطلاق “عملية التنمية الاقتصادية بتلك المناطق، وخصوصا بعد اكتشاف الفوسفاط بها حيث تم إعداد شركة فوس بوكراع خلال الستينات من القرن الماضي” بعدما تمكن عالم الجيولوجيا الاسباني والأستاذ بجامعة مدريد البروفيسور “مانويل آليا ميدينا” من اكتشاف معدن الفوسفاط بمنطقة الساقية الحمراء سنة 1947م بعد قيامه بمجموعة من الأبحاث الجيولوجية، التي كلف لها من طرف المديرية العامة للمغرب والمستعمرات باسبانيا و”قام بجمع عينات من الطبقات الرسوبية الموجودة شمال لحمادة قصد تحديد تاريخ تكونها، وذلك بمساعدة أخيه عالم الكمياء خوصي José، وأرسل ميدينا في هذا الشأن تقريرا الى رئيس الحكومة الاسبانية يلمح فيه لوجود طبقة فوسفاطية مهمة بالصحراء “.

قام “ميدينا” بمجموعة من الأبحاث الجديدة في نفس سنة 1947م حيث أنشأ مختبرا لدراسة العينات التي جمعها من “وادي العبادلة” بالساقية الحمراء جنوب العيون، وكانت النتائج ايجابية جدا، حيث “وجد مانويل مدينا بأنه على امتداد نهر بوكراع وايتكي فان الطبقات الغنية بالمعدن تظهر على سطح الأرض مباشرة، وتحتوي على 60 في المئة من الفلز” وهو ما توجه بلقائه في 08 أكتوبر 1947م بالجنرال “فرنكو” الذي أخبره باكتشافه السار.

وبأوامر مباشرة من الجنرال الاسباني “فرانكو” استمرت عمليات التنقيب عن الفوسفاط بمنطقة الساقية الحمراء، توجت مع نهاية سنة 1951م بالوصول لنتائج مبشرة تفيد الى أن الطبقات الفوسفاطية في “هضبة ازيك” متواجدة بثروة كبيرة وبنفس السمك الذي تم العثور عليه ب”وادي العبادلة”، وهو ما عبر عنه عالم الجيولوجيا والمهندس المشرف على على شركة تنقيبات Adaro بالقول:” يمكن أن نقول أننا حددنا في هضبة ازيك وبالمستويين الثاني والثالث ما يقارب أكثر من 4 مليار طنا من الفوسفاط بنسبة نقاوة تصل الى 40 في المائة و 50 فالمئة وفي المستوى A-2 و B-2 وجدنا في البئرين الفوسفاطيين 13 و14 أنه ليس من الصعب الوصول الى 40 أو 50 مليون طن بنسبة نقاوة تصل الى 55 في المائة”.

كانت هذه النتائج جد ايجابية مما دفع الجنرال فرانكو لزيارة المنطقة في أكتوبر 1950م، عقد خلالها اجتماعا دام ساعتين جمعه مع وزير الأشغال العمومية ورئيس المعهد الوطني للصناعة والمدير العام للمستعمرات ومدير شركة Adaro كما حضره المهندس “ميدينا”، اطلع من خلاله “فرنكو” والوفد القادم معه على نتائج التنقيب عن الفوسفاط بالمنطقة، وقد كانت نتائج التنقيب بعد ذلك سلبية بعد انتقال “ميدينا” سنة 1952م للقيام بأبحاث جنوب منطقة بوجدور، وبذلك “أوقف المعهد الوطني للصناعة عمليات التنقيب عن الفوسفاط سنة 1956م وامتد ذلك لخمس سنوات لاحقة بسبب معارك جيش التحرير التي عرفتها المنطقة” .

إن أهم ما توصلت إليه التنقيبات حول الفوسفاط بمنطقة الساقية الحمراء هو التأكد من وجوده بكميات كبيرة بمنجم بوكراع، الذي يبعد حوالي 100 كلم جنوب شرق مدينة العيون، ويفصله عن البحر حوالي 100 كلم كذلك، ويمتد على مساحة قدرها 38 كلم طولا و7 كلم عرضا، على شاكلة “شريط فوسفاطي يقدر ب 268 كلم ويقدر مخزونه بحوالي 953 مليون متر مكعب من الفوسفاط، أي ما يمثل 1700 مليون طن، وتصل نقاوة هذا المعدن في منجم بوكراع الى 67.7 في المائة” . لكن أعلن عن بداية الاستغلال الفعلي لمعدن الفوسفاط بمنجم بوكراع سنة 1962م بعد أن حصلت الشركة الاسبانية “انمينصا Enminsa” على قروض مالية من الأبناك الأمريكية لاقتناء المعدات الموظفة في عملية استغلال الفوسفاط، حيث تم جلب وحدات صناعية لمعالجة الفوسفاط وتجهيز المياء بالعيون بالأدوات الضرورية وخلق حزام ناقل، غير أن هذه التجهيزات سيتم إيقاف تطويرها بداية مع فترة السبعينيات عبر تراجع اسبانيا عن رصد ميزانية الاستثمار في مجال الفوسفاط بالصحراء، ومرد ذلك الى حدوث تطورات سياسية جديدة، وحرص اسبانيا على استغلال ثروة الفوسفاط بأقل التكاليف المالية، وهو ما يفسر استرجاعها لأموالها المستثمرة في الفترة ما بين 05 الى 10 سنوات من مباشرة استغلالها لمنجم بوكراع بالعيون جنوب المغرب.

أنشأت اسبانيا سنة 1969م شركة “فوس بوكراع” لاستغلال الفوسفاط حيث وصل الانتاج سنة 1975م الى حوالي 10 مليون طن، وقد بلغ عدد العمال بهذه الشركة حوالي 1272 عامل، ولتسهيل استغلاله عملت الادارة الاسبانية على خلق حزام ناقل للفوسفاط الخام ينقله من منطقة بوكراع الى الميناء، حيث يمر ب55 محطة مراقبة في ظرف ساعة واحدة، وتم تشييد ميناء العيون حتى يساعد هو الآخر على نقل الفوسفات من مدينة العيون باتجاه اسبانيا لإعادة معالجته وانتاج مشتقاته وتصدير جزء منه لدول العالم وعلى وجه الخصوص الأسواق الآسيوية، هذا الميناء الذي تكلفت بصيانة تجهيزاته والإشراف عليها شركات اسبانية وأخرى غربية كشركة “كروب” الألمانية لنقله ومعالجته، والقيام بعملية التخلص من التراب العالقة بالفوسفاط عن طريق تذويبها في المياه، وكذا عقد الشركة الاسبانية الوطنية اتفاق شراكة مع شركة ألمانية تدعى “شتراباج” لتجهيز ميناء عائم داخل البحر طوله 2,3 كلم على شكل جزيرة عائمة، ولما كانت أمواج البحر ترتفع لمستوى تسعة أمتار، فقد تم إنزال ركائز الجسر الى عمق 17 مترا في الماء، لتستقر داخل رصيف الحجر الكلسي القاري مشكلة قواعد من الاسمنت المسلح والحجر يصل عمقها 45 مترا وسمك جدرانها 24 سم وقطرها 2,5 متر وتقوم بخدمة هذه الركائز روافع ضخمة تتحرك على مجموعة من القضبان الحديدية وسط الجزيرة العائمة، حيث تقوم بحمل كل رافعة ما مقداره 200 طن متري، وقد قدرت طاقة هذا الميناء من 10 الى 13 مليون طن سنويا، حيث يحمل الفوسفات إليه بواسطة أنبوب ضخم طوله 100 كلم هي المسافة الحاصلة بين منطقة بوكراع والعيون، إذ احتفل في 26 يناير 1970 رسميا بتدشين ميناء العيون الجديد، ليتم في مارس 1973 تصدير ما يقرب من ثلاثة ملايين طن وكانت النفقات قد بلغت 12 مليار بسيطة، و “يبلغ عدد العمال في بوكراع نحو 1120 من بينهم 215 صحراويا” ، حيث عملت الإدارة الاسبانية في شخص وزير الإسكان الاسباني “سنيور مورطيز” في 04 أكتوبر 1970 بزيارة للعيون لتوزيع 600 مسكن على عمال منجم بوكراع، كل هذه النفقات ستعمل هذه الإدارة الاستعمارية على استرجاعها كاملة في ما بعد، وتصل مبيعات الفوسفات بجماعة بوكراع (جنوب شرق مدينة العيون) اليوم الى “2987 مليون طن حيث يصدر معظمه الى الخارج، ويعتبر مورد عيش بالنسبة لفئة مهمة من السكان محليا ووطنيا بتشغيل 1790 مستخدم”.

في اللحظة التي كانت فيها الشركات الغربية تقوم بالتنقيبات الواسعة في الصحراء الإفريقية، ومع تزايد اكتشافات الغاز الطبيعي والبترول في الجزائر ثم ليبيا ومصر، انطلقت أطماع الإدارة الاسبانية وتقوت آمالها في الوصول الى نفس الكشوفات في صحراء المغرب، خاصة بعد صدور قانون موقع من الجنرال “فرنكو” صدر في الجريدة الرسمية في 29 و31 دجنبر 1958 ينظم مسار استثمار الأموال في البحث، ويسمح للشركات الأجنبية أن تقوم بعمليات التنقيب بعدما لم يكن مسموحا لها من قبل بذلك، حيث يعطي هذا القانون تسهيلات كبيرة للاستثمارات الخارجية سواء أقدمت على تحرياتها ضمن التراب الاسباني أو في الجهات الخاضعة للحكم الاسباني.

هذا وقد تم إجراء تعديل على هذا التشريع القانوني السالف الذكر بعد استقلال بلد غينيا الاستوائية، والتي كانت تعتبر المنطقة الرابعة في القانون البترولي بعد الدولة الاسبانية، والمنطقة الجزرية (البليار، كناريا، الجزر الجعفرية، سبتة، مليلية) ومنطقة افريقيا الغربية (الساقية الحمراء ووادي الذهب)، حيث قدم هذا التشريع أجل ست سنوات بالنسبة للمنطقة الثانية والثالثة لتقديم عروض الشركات والمستثمرين الذين تقدم لهم عروض بلغت تخفيضاتها الى 25 في المائة.

وبخصوص منطقة الساقية الحمراء ووادي الذهب فإن هذا التشريع سمح للادارة الاستعمارية الاسبانية بمباشرة التنقيب على طول النجد القاري المحاذي للساحل، حيث تلتزم الشركات الأجنبية الحاصلة على رخص الحق في البحث والاستخراج بتحويل العملات الأجنبية الى العملة الاسبانية “البسيطة” حسب السعر الرسمي للبنك المركزي، اذ “تأخد الدولة الاسبانية 12,5 من صافي الأرباح في حالة الاستخراج. كما أنها تحدد بشكل تعاقدي الكمية العينية التي تريد الحصول عليها””. ”

وهكذا انطلقت مباشرة أعمال البحوث والتنقيبات في يناير 1959م شملت مختلف الطبقات الجيولوجية، حيث بلغ عدد الشركات سنة 1960م خمسون شركة أغلبها اسبانية، وبلغت الدراسات الأولية ما يقارب الثمان سنوات، حيث ظهرت كميات محدودة من النفط في المنطقة، حيث وجد البترول في الثالث من غشت 1969 على عمق 3.446 مترا، لتعلن الشركة الأمريكية “كونتينونتال” عن توقف البحث وإغلاق البئر البحرية الذي اعتبرته غير ذي قيمة تجارية، وتوقف الحفر في المنطقتين البحريتين (61 و47 حرف الألف)، وفي 20 أبريل 1971 أعلنت شركة “ايسو ستاندار” عثورها على النفط في منطقتي “فم واد عيفا” و “حاسي عثمان” ليغلق البئران مرة أخرى بمبرر ضئالة الكميات الاحتياطية، والواقع أن كل هذه الشركات السالفة لم تستثمر أموالا معقولة وأجهزة مهمة في أبحاثها، اعتبارا أنها من الشركات المتوسطة وعدم وجود ضمانات معقولة من قبل الإدارة الاسبانية مما جعل الشركات الكبرى تتخوف من المغامرة.

إن اكتشاف الفوسفات كان من بين أبرز العوامل التي ساهمت في إطالة التواجد الاستعماري بالصحراء، وهو ما يفسر التغير الطارئ الذي طبع السياسة الاسبانية حول المنطقة مباشرة بعد اكتشافه، وهي سياسة موسومة بالجشع والاستغلال للطاقات المعدنية والطبيعية، بدل أن ينعكس ذلك على الحالة الاجتماعية والاقتصادية لأهالي المنطقة، حيث بقيت أحوال العمال الصحراويين في المنشآت الفوسفاطية ضعيفة جدا مقابل أوضاع العمال الاسبان، فالاستحواذ على عائدات مناجم الفوسفاط (منطقة بوكراع) واستغلال الثروات المعدنية والبحرية كان كله موجها لصالح الإدارة الاستعمارية الاسبانية، فلم يعد ذلك “على المنطقة بأية منفعة وهو ما أدى الى حالة النكبة” ، وهي نفس السياسة التي تم بلورتها كذلك في باقي القطاعات الأخرى بالمنطقة، فما هي ملامح ذلك بالقطاع السياحي ؟

المبحث السادس: بعض تجليات السياحة الصحراوية بمجال الدراسة:

تعد السياحة الصحراوية نشاطا هاما في الاقتصاد المحلي بالمنطقة، حيث شكلت الشواطئ الممتدة على طول المحيط الأطلنتي وما تتوفر عليه من ثروات ضخمة، أضف الى ذلك الجوانب الطبيعية بدواخل المنطقة التي توفر السياحة الايكولوجية والرياضية، كما أتاحت المآثر التاريخية والنقوش الصخرية والثقافة المادية واللامادية التعريف بالمنطقة وتحريك دورة العجلة الاقتصادية بالمنطقة، حيث نميز في هذا الصدد بنوعين من النقوش الكتابية بالمنطقة:

الكتابة اللوبية (الأمازيغية) والتيفيناغ، فأما “الأولى فيمكن ردها الى زمن تاريخي قديم يرقى حتى العهد القرطاجي، أما الثانية فهي ترجع لزمن حديث وهي مهمة جدا لأنها تكمل الكتابات التي اكتشفها الأستاذ الفرنسي تيودور موند (T. Monod) في أواسط الصحراء” ، وهي معلومات تاريخية مهمة عن المنطقة قبل المجيء الإسلامي، ف”الصناعة والحضارة البربرية بصفة عامة انزوت في هذه البقعة خلال العصر الروماني، فكانت الأسلحة والدرق والخناجر وحلي النساء تصنع في أماكن متفرقة اعتبارا من نهر درعة ” .

وجدير بالذكر أنه بعد جلاء الاستعمار الاسباني من منطقتي الساقية الحمراء ووادي الذهب وبسط إدارة المياه الإقليمية للمملكة المغربية، فرضت إجراءات قانونية جديدة جعلت هذه الشركات الغربية محط المراقبة والمتابعة القانونية، كما عملت الدولة على تطوير البنيات التحتية لموانئ المنطقة لخلق دينامية سياحية واقتصادية واعدة، من شأنها جلب مشاريع استثمارية مهمة (فنادق، مقاهي ومطاعم..) وتشجيع خلق المقاولات والشركات وذلك جهدا من أجل توفير فرص شغل قارة للسكان، إلا أن قطاع السياحة بقي شبه غائب وضعيف بالمنطقة على الرغم من حجم مجهودات الدولة في هذا القطاع، نتيجة لتفشي ظاهرة التهرب الضريبي الذي جعل المنطقة مجرد وجهة لتأسيس شركات ومقاولات اقتصادية على الورق، بينما مؤسساتها الإدارية خارج المدار الحضري للمنطقة، أضف الى ذلك وجود ضعف حاد للفنادق المصنفة بالمنطقة مقارنة بحجم النمو الديموغرافي الكبير وكذا غياب شبكات طرقية هامة من شأنها أن تربط المدن الصحراوية الكبرى مع المواقع ذات القيمة السياحية والأثرية.

الخاتمة:

لا تزال مختلف المناشط الاقتصادية بمنطقتي الساقية الحمراء ووادي الذهب تعاني من الكثير من الإكراهات التي جعلتها لا تصل لمصاف المساهمة الحقيقية في الدفع بعجلة التنمية المحلية والوطنية بالمغرب، مما يفرض على الدولة مستقبلا إيلاء المزيد من الاهتمام والتأهيل لهذه القطاعات حتى يتسنى تطويرها وفق المعايير الدولية، والتي من شأنها مستقبلا أن تجلب الاستثمارات والموارد المالية الخارجية.

مدير الموقع

المنشور السابق

قضاة الفوج 46 يؤدون اليمين القانونية بعد الموافقة الملكية السامية على تعيينهم في السلك القضائي

على إثر الموافقة المولوية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله رئيس المجلس الأعلى…

3 ساعات منذ

أمير المؤمنين يترأس اليوم الأحد إحياء ليلة المولد النبوي الشريف بمسجد حسان بالرباط

أعلنت وزارة القصور الملكية والتشريفات والأوسمة أن أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره…

4 أيام منذ

المغرب..توجه عام لتقييد استخدام القاصرين لمواقع التواصل الاجتماعي

تتجه المملكة المغربية لتقييد استخدام القاصرين لمواقع التواصل الاجتماعي، وأكدت الأغلبية الحكومية استعدادها لمناقشة تشريع…

7 أيام منذ

وزارة الصحة والحماية الاجتماعية تُعلن عن تسجيل حالة إصابة مؤكدة بجدري القردة

في إطار المنظومة الوطنية لليقظة والرصد الوبائي، وتنفيذاً لسياستها التواصلية، تُعلن وزارة الصحة والحماية الاجتماعية…

أسبوع واحد منذ

اجتماع اولي لتفعيل الشراكة بين جامعة محمد الخامس والمجتمع المدني بالداخلة للاستفادة من دورات تكوينية حول قضية الوحدة الترابية.

في سياق التحضير للشراكة بين جامعة محمد الخامس والمجتمع المدني بالداخلة استقبل السيد فريد الباشا…

أسبوع واحد منذ

المجلس الاقليمي لوادي الذهب يعقد دورته العادية لشهر شتنبر

بقاعة الاجتماعات الكبرى بولاية الداخلة، عقد المجلس الاقليمي لوادي الذهب، يومه الاثنين 9 شتنبر 2024…

أسبوع واحد منذ