أصبحت إفريقيا سوقا مهمة للبلدان المغاربية في الأعوام الاخيرة، خاصة مع جائحة كورونا التي أرخت بظلالها على الاقتصاد العالمي، والتي أدت إلى إغلاق السوق الأوروبي، بل إن انفتاح وتنافس الدولتين الكبريين بشمال إفريقيا على جنوبها، ساهمت فيه حالة الستاتيكو التي تعيشه البلدان المغاربية، وعجزها على بلورة الوحدة والاندماج الاقتصادي فيما بينها، وذلك بسبب الموقف الجزائري من الصحراء المغربية، وفي هذا السياق أعلنت الجزائر عن افتتاح خط بحري تجاري بين مينائي الجزائر ونواكشوط لفتح بوابة تجارية نحو الأسواق الموريتانية وإفريقيا الغربية، محاولة منافسة المغرب الذي تساعده الجغرافيا من جهة وتوجهاته الاقتصادية الكبرى وثقافة المجتمع التجارية في خلق انسيابية الولوج للسوق الافريقية، وهو ما يجعلنا نطرح سؤال عن مدى امتلاك الجزائر لإستراتيجية متكاملة ومندمجة اتجاه إفريقيا بعيدة المدى، أم أن سياستها الاقتصادية الجديدة القديمة، لا تخرج عن عقدة “المغرب” التاريخية، حيث أنها مجرد سياسة غير مترابطة، بل فقط رد فعل على الوجود المغربي المهم بإفريقيا جنوب الصحراء، خصوصا في ظل التنافس المحموم بين مختلف الدول على نيل نصيبها من ثروات هذه القارة.
شكل انسحاب المغرب من منظمة الوحدة الإفريقية سنة 1984، على خلفية قبول عضوية ما يسمى بالجمهورية العربية الصحراوية، والتي كانت من مؤسسيها في مايو 1963 بأديس أبابا، تراجعا للدور المغربي في إفريقيا جنوب الصحراء منجذبا نحو أوروبا، وتاركا المجال فارغا (الكرسي الفارغ) للجزائر لاستغلال هذا الوضع واستثماره لأهدافها السياسية، وضع سيبدأ بالتحول مع حكم الملك محمد السادس، حيث بدأ الاهتمام السياسي والاقتصادي بإفريقيا يتنامى يوما بعد يوم، فقد بلغت الزيارات الملكية لملك المغرب للبلدان الإفريقية حوالي 48 زيارة، شملت تقريبا أغلب الدول الأفريقية، مدشنا بذلك لحقبة جديدة من التعاون جنوب جنوب، وتوجت هذه الزيارات بعودة المغرب للإتحاد الإفريقي يناير 2017، مما عزز من حضوره السياسي بالقارة الإفريقية، فبدأت معه ملامح حقبة سياسية واقتصادية جديدة تتشكل في علاقة المغرب بامتداده الإفريقي.
واستثمارا لهذه الزيارات والعلاقات المتميزة بين المغرب والدول الإفريقية تم التوقيع على مجموعة من الاتفاقيات وبروتوكولات التعاون في مختلف الميادين (السياسية، الاقتصادية، والتعليمية، الثقافية…) مما جعل المغرب بوابة لإفريقيا، زخم بدأ معه المغرب يتحول لقطب مالي على الصعيد الإفريقي، حيث نالت مدينة الدار البيضاء لقب العاصمة المالية لإفريقيا، ومنصة جذب للشركات العالمية للدخول للسوق الإفريقية الواعدة والناشئة، بل وأصبح المغرب أول مستثمر بإفريقيا جنوب الصحراء خصوصا في قطاعات (البنوك، التأمين، الاتصالات، الأسمدة، المعادن، الطيران، البناء والأشغال العمومية….)، مما أدى إلى تطوير لهذه العلاقات المبنية على إستراتيجية واضحة وفق قاعدة رابح رابح، وضع اقتصادي تعزز مع الوضع الاعتباري للمغرب، باعتباره كذلك فاعلا دينيا وروحيا مهم بالقارة الإفريقية إلى جانب إمكاناته السياسية والاقتصادية، وشكلت انطلاق أعمال اللجنة العليا المغربية الموريتانية التي عقدت خلال الشهر الجاري بالرباط بعد توقف لتسع سنوات، مثال على فتح أفاق جديدة وجعل موريتانيا بوابة المغرب نحو إفريقيا.
بنت الجزائر علاقتاها منذ استقلالها على دعم مجموعة من الحركات الثورية والتحررية بإفريقيا، وشكلت الثورة الجزائرية مصدر الهام لكثير من الأفارقة، خصوصا مع دعم المعسكر الشرقي لهذه الحركات بدعم مالي وسياسي جزائري، وما تزال العقيدة السياسية الجزائرية قائمة على التسويق للشعارات التي بنى عليها النظام الجزائري مشروعيته السياسية، وهي عقيدة تؤثر على مجمل المشاريع الاقتصادية التي تحاول الجزائر القيام بها داخليا أو خارجيا، فنجد أن الخلفيات السياسية تتحكم في تلك المشاريع أكثر من الخلفيات الاقتصادية، هذه الأخيرة التي لا يجب أن يحركها سوى منطق الربح، فبقراءة بسيطة لبعض تلك المشاريع من الناحية الاقتصادية نجدها فاشلة، بل إن تكاليفها أكثر من أرباحها، أو أنها لا تراعي المحيط الأمني ومطالب الاستقرار. ومن هنا نجد أن ملف الجماعات المسلحة بالجنوب الجزائري وشمال مالي، قد شكل أحد أسباب فشل مشروع الطريق العابر للصحراء الجزائر لاغوس بنيجريا، والذي تعول عليه الجزائر لربط ستة بلدان إفريقية فيما بينها، والتأثير الكبير للحرب بين الفرقاء اللبيبين على اعتبار الحدود الشاسعة بين البلدين والتحديات الأمنية المرتبطة بها، وانتشار الأسلحة، خاصة بعد سقوط نظام العقيد القذافي سنة 2011، مما شكل عائقا لولوج السلع الجزائرية لهذه الدول، إضافة لفشل مشروع الطريق الرابط بين تيندوف والزويرات، لربط موريتانيا بالجزائر، للأسباب عينها التي تحدثنا عنها، مما يتضح جليا أن الجزائر مطوقة بتحديات أمنية كبيرة على صعيد حدودها البرية من الشرق والغرب والجنوب، مما يشكل عائقا أمامها لأي انفتاح اقتصادي، ولا تجد من مبرر لفشل انفتاحها الاقتصادي على السوق الإفريقية سوى “عقدة المغرب”، محاولة إلصاق تهمة هذا الفشل على المغرب ! بعد إدعاءها باستهداف المغرب لشاحنات جزائرية،
من جهة أخرى، فإن عدم تنافسية الاقتصاد الجزائري، وضعف إنتاجيته، عوامل تضاف لما سبق لتجعل من الجزائر متخلفة عن ركب السباق الدولي والإقليمي اتجاه السوق الإفريقية، حيث يشكل القطاع العام الدعامة الأساسية للنسيج الاقتصادي الجزائري، ويستحوذ قطاع المحروقات على نسبة 98% من صادرات هذا البلد، مما يعوق سياسة غزو الأسواق الخارجية بمنتجات جزائرية، ويجعله غير قادر على منافسة بعض المنتجات الصينية والتركية والمغربية بالسوق الإفريقية، ولا يمكن أن ننسى الضعف الكبير للقطاع البنكي والمصرفي بالجزائر، وتأخره الكبير عن منافسة نظيره المغربية والأجنبي، إضافة إلى تخلف قطاع التأمينات بها، والذي تستحوذ الشركات المغربية فيه بنسبة من السوق الإفريقية.
يضطلع الاقتصاد المغربي بتنافسية كبيرة، تساهم فيه التوجهات الإستراتيجية، وتناسق السياسات الاقتصادية سواء المحلية أو الدولية، والتي تنطلق أولا من تنمية القطاع الخاص، خاصة القطاعات المصدرة منه، التي تخلق الثروة، على العكس من نظيره الجزائري الذي تتحكم فيه خلفيات سياسية، تساهم في الحقيقة في إفشاله، حيث أنه اقتصاد قائم على هاجس رد الفعل الظرفي، وعلى أهداف إعلامية ودعائية، تحاول أن تجعل من الجزائر قوة إقليمية لدى الرأي العام الداخلي الجزائري.
أشرف اليوم السبت 9 نونبر 2024، كاتب الدولة المكلف بالصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، السيد…
أن ملف الصحراء المغربية يعتبر “قضية وجودية وليس مجرد ملف دبلوماسي”، مشددا على أن الوحدة…
أعلنت مؤسسة وسيط المملكة في بلاغ لها بتاريخ 08 نونبر 2024، عن نجاح المبادرة التي…
وفقا لما جاء في بلاغ صحفي صادر عن رئاسة الحكومة، عقد مجلس الحكومة برئاسة السيد…
في خطوة تعكس الثقة الدولية في الجهود المغربية لتعزيز الأمن والاستقرار إقليميا ودوليا، انتُخب المغرب،…